ترك إعلان إدارة بايدن عن سحب قواتها من أفغانستان العديد من التساؤلات، كما فتح الباب أمام سيناريوهات محتملة، على خلفية الفراغ الذي ستتركه هذه القوات وإعلان حركة طالبان، التي حاربتها واشنطن على مدار عقدين، عن سيطرتها على ثلث البلاد، من بينها مقاطعة بدخشان المتاخمة لمقاطعة شيجيانغ الصينية على الحدود بين البلدين؟
صحيح أن طالبان سارعت إلى طمأنة بكين بإعلان عدم تدخلها في ملف مسلمي الإيغور، في محاولة لربح ثقة الصين إلى حين، بحسب متابعين للتطورات المتسارعة في أفغانستان. بينما يرى مراقبون أن رسالة طالبان ما هي إلا استراتيجية لربح الوقت، في انتظار التعافي التام من حربها الضروس مع القوات الأمريكية المنسحبة وبذلك لا تريد فتح جبهة مواجهة جديدة وهي خائرة القوى ولم تبسط بعد سيطرتها على كامل البلاد.
يبدو أن الانسحاب المفاجئ لواشنطن من كابول ليس اعتباطيا وقد تكون لديها نوايا في استنساخ حرب استنزاف جديدة ضد الصين في المستنقع الأفغاني، كما حصل مع الاتحاد السوفياتي، حين تحالفت البراغماتية الأمريكية مع (المجاهدين) الأفغان ضدّ موسكو، التي أكلت الطعم حينها باجتياح أفغانستان العام 1979 لتتفكّك الامبراطورية السوفياتية بعد 10 سنوات من ذلك، لتتأكّد مقولة «أفغانستان مقبرة الأمبراطوريات».
الظروف والمعطيات تغيّرت، ويبدو أنّ واشنطن ستحتفظ باستراتيجية آتت أكلها في النيل من منافسيها وخصومها، لهذا لن تتردد في محاولة استدراج بكين الى المستنقع الأفغاني، كما ستتحالف مع من كانت تحاربهم بالأمس القريب وستوظفهم في معركة كسر العظام ضد الصين، من أجل الاحتفاظ بموقع القوة الأولى في العالم؛ موقع أصبح مهددا بسبب المنافسة الشرسة للتنين؟.
أكيد أن بكين لن تكرّر الخطأ نفسه مع أفغانستان ولن تقدم على اجتياح عسكري، كما فعلت موسكو، خاصة وأنها استبقت الأمور بنسج علاقات متينة مع باكستان، حليفة طالبان، والتي تعوّل عليها كقاعدة لانطلاق مبادرة الحزام والطريق التي ستشمل أفغانستان. فهل تنجح حكمة العملاق الصيني في تفكيك قنابل موقوتة تركتها واشنطن؟