المتصفّح لمختلف الوسائط الاجتماعية هذه الأيام يجد كما هائلا من الفيديوهات لأشخاص فقدوا عزيزا بعد إصابته بالفيروس، لكن ما يثير الاهتمام هو تركيزها وترويجها وربط الوفاة بأزمة الأوكسجين أو عدم قدرة المستشفيات على استيعاب العدد الكبير من المرضى، أو حتى تراخي أطباء في أداء مهامهم وهذا أخطر ما فيها.
هذا الترويج «الممنهج» يقصد به خلق أزمة صحية من خلال إشباع المواطن برسائل سلبية مفادها انهيار المنظومة الصحية ومن ورائها الدولة وعجزها الكامل عن السيطرة على الموجة الثالثة للسلالات المتحوّرة، ما يعيدنا إلى الأشهر الأولى للأزمة الصحية التي حاول خلالها الفضاء الأزرق زرع الفتنة وحالة من لا استقرار في المجتمع من خلال الترويج لأزمة ندرة المواد الأكثر استهلاكا.
ولن يختلف اثنان في أن الجزائر تواجه حربا سيبرانية متعدّدة الأذرع تصبّ كلها في وعاء واحد هو ضرب استقرارها وكسر رابط الشعب بالدولة، يستخدم المشرفون عليها كل ما يمكنه التأثير على المواطن، حتى وإن كان ذلك على حساب صحته النفسية والجسدية، على اعتبار أن الأزمة الصحية ستكون «فرصة» لتحقيق مآربهم وخططهم الجهنمية، ما يوحي بأنهم لم يتعظوا من درسي الموجة الأولى والثانية لكوفيد-19.
بالرغم من وجود مصطلح «الهدنة» أي الرفع المؤقت للحرب توضع فيها الأسلحة وتركن فيها الجيوش إلى إعادة وضع الخطط وشحذ الهمم، لم يستطع هؤلاء إعلانها حتى يخرجوا من حالة «السفه الرقمي» الواضح، فالجزائر اليوم تواجه عدوا مجهريا وآخر سيبرانيا لا يتوانى عن الضرب في الظهر لأن الخسّة والدناءة أصل معدنه، في ابتزاز نفسي معلن للأطباء والمواطنين والجزائر بأكملها.
على الجميع مهما كانت رتبتهم «الاجتماعية» اليوم ألا ينصاعوا وراء فيديوهات تحاول سلبهم إرادتهم الحرة في اتخاذ القرار، نعيش اليوم حربا طاحنة ضد عدو رقمي يرفض إعطاء وقت مستقطع لمواجهة العدو الفيروسي، فلا الأطباء يستطيعون البقاء على الهامش ولا المواطن يريد حمل سلاح الوعي للحدّ من قوة هذا العدو الشرس والقوي، لذلك كان لزاما التفكير في هدنة حرب نرفع فيها أصابعنا عن لوحة المفاتيح من أجل الخروج سالمين من وباء عالمي لم يحدّد بعد تاريخ انتهاء «صلاحيته».