لم تعد جائحة كورونا فقط هاجس الدول المغاربية وكذلك دول منطقة الساحل الإفريقي في الوقت الراهن، ضمن سياق متوتّر يعرف مؤشرات سلبية تنبئ بتوجّه المنطقة إلى مرحلة أكثر تعقيدا وسخونة سياسيا، بالنظر لتحديات جيوسياسية باتت تلقي بظلالها على أمن المنطقة واستقرارها مع ما تشهده بعض الدول من تحولات عميقة قد تعيق مسار البناء المغاربي المعوّل عليه في مستقبل قريب.
يأتي في مقدمة البلدان المغاربية التي تعيش تحولا يشكّل تحديا للمنطقة، تونس «مهد الثورات الشعبية»، وعلى الجوار الشرقي للجزائر ليبيا، وغربا نزاع الصحراء الغربية بين جبهة البوليساريو والمغرب المحتل، وجنوبا مالي والنيجر جراء انتشار تنظيم «داعش» الإرهابي والجماعات الدموية الأخرى. تشير كل هذه المعطيات إلى تحوّل منطقة الساحل والصحراء إلى بؤرة توتر معقدة وفق تقارير أمنية دولية.
من دون شكّ، هذه التحولات والتوترات تضع الجزائر أمام تحدّيات كثيرة وصعبة وتحدث جبهات استنزاف طويلة الأمد
ومتعدّدة التأثير بالنظر لتعقد وتشابك خيوط تفاصيلها، فمن ناحية لا يمكن تحقيق استقرار شامل في المنطقة دون تكامل سياسي يتيح للشعوب والحكومات التعامل مع التحديات بمنطق واحد يعتمد على الثقة البينية لمواجهة التهديدات الخارجية.
لكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال أو يكاد يكون مستحيلا بالنظر لمؤشرات حالية. فاتجاه بعض دول المنطقة المغاربية إلى عقد صفقات مع الكيان الصهيوني أصبح يثير مخاوف كبيرة من تأثير ذلك على استقرار المنطقة، ويثير القلق انطلاقا من تسجيل نوايا خبيثة تؤدي لمزيد من التقارب بين الكيان المغتصب لفلسطين ودول في الاتحاد الإفريقي الذي تنصهر فيه كل حلول القارة الإفريقية.
أمام هذه التحولات، بات لزاما على بلادنا تبني إستراتيجية وقائية حذرة على كل الجبهات الحدودية، لاسيما مع الوضع الجديد في الجارة تونس في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع هناك وإن كان الوضع يسير باتجاه التهدئة، أما في ليبيا فقد نجحت المقاربة الجزائرية إلى حدّ بعيد في دعم السلطة التنفيذية المؤقتة وتأكيد موقف تنظيم الانتخابات. إذ تشير هذه التطورات إلى وجود إرادة لمواجهة التحديات الراهنة بحكمة وهدوء، وهو ما يتطلّب أولا وقبل كل شيء تقوية الجبهة الداخلية التي تعتبر صمام أمان أمام كل التحديات.