الوجه الآخر

مضاربو الموت

فتيحة كلواز
27 جويلية 2021

 

 

 

منذ ما يزيد عن سنة ونصف ونحن نعيش تجربة مريرة صنع فيها الابتزاز والاستغلال أبشع صور يمكن رؤيتها لأناس اختاروا أن يكونوا من مضاربي الموت في عز أزمة صحية لا أحد في منأى من الإصابة بالعدوى، فلا المال ولا الجاه ولا البروج العالية ولا الجسد القوي تستطيع مقاومة فيروس مجهري أو إبعاده.
مضاربو الموت استنفذوا طاقة «الشيطان» ليسرقوا حقّ الحياة ممن تغلغل الفيروس إلى قصباتهم الهوائية، وأقسموا ألا يسمحوا لقارورات الاوكسجين بالخروج إلى المرضى إلا بأثمان مضاعفة، هؤلاء «شياطين» يتربحون من تجارة في سوق الموت، في تضارب صارخ مع القانون الإنساني والرباني، ضاربين عرض الحائط كل معاني التضامن بين أفراد المجتمع الواحد، متناسين إننا كلٌ متكامل.
غالبا ما يكون الموت رادعا للإنسان بل سببا لرجوعه الى جادة الصواب، لكنه مع مضاربي الموت أصبح مجرد رقم صحيح في معادلة الربح والخسارة، فلا يهمّ خسارة المرء لضميره وإنسانيته، لأن الأهم ما سيحققه من أرباح مادية ترتفع به إلى مصاف أصحاب الملايين والملايير، لذلك ستكون جرعة الاوكسجين التي يموت بسببها المرضى «السلعة» الثمينة في زمن كورونا.
زمن أماط اللثام عن جنس بشري متوحش متعطش لرائحة الموت لأنها طريقه إلى السيطرة والتملك، بل يستجمع قوته ونفوذه من ضعف وصرخات الاحتضار التي تملأ المستشفيات والمنازل، في صورة مقيتة عن تحالف الشر بين الإنسان والشيطان، فكيف لهؤلاء ان ينسلخوا من إنسانيتهم فقط من اجل دنانير مهما كان عددها وهم يعلمون علم اليقين أن الواحد منهم مهما بلغ من الكبر سيموت ويتركها خلفه فلا الكفن له جيوب يحمله فيها ولا القبر فيه خزائن يضعها داخلها.
لا أدري من أي طينة هؤلاء الذين يبتزون من تُضيِّق كورونا على أنفاسهم ويستغلون حاجتهم إلى غاز يتنفسونه مجانا كعطية ربانية، لم نعرف قيمتها إلا بعد أن عجز أعزاءنا وأحبابنا عن تنفسه إلا بمساعدة آلة تكثيف الاوكسيجين، الغاز الحيوي، الذي يصنع فارق الأيام القادمة بسبب مضاربي الموت، الذين فضّلوا بعد المواد الاستهلاكية المضاربة في «سوق الموت».

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024