يصنع الموت هذه الأيام محور أحاديث الناس وأهم أخبار الإعلام والوسائط الاجتماعية لتصبح مع ارتفاع منحنى عدد الإصابات، أكبر مخاوف كل واحد منا، خشية فقدِ عزيز أو صديق، فكورونا يضرب بقوة وشراسة وكأني به يعاقبنا على استهتارنا وتهاوننا في احترام الإجراءات الوقائية التي وبالرغم من بساطتها وسهولتها يرفض كثيرون الالتزام بها في تعنت معلن لأي محاولة لاكتساب ثقافة صحية سليمة.
كتب أحدهم في تصويره لحالة الطوارئ الصحية هذه الأيام على صفحته بالفضاء الأزرق «وقف الجزائريون وقفة رجل واحد ليقتل بعضه بعضا»، هو تعبير ساخر عما نراه هنا وهناك من استهتار صريح وواضح حتى وصل بالبعض عدم التقيد بالحجر المنزلي بالرغم من إصابته بكوفيد-19، لكنه في نفس الوقت وصف دقيق لحالة الـ»لا ضمير» نعيشها.
كيف لمن كانت نتائج اختبار فيروس كورونا ايجابية أن يسمح لنفسه بالتجوّل بكل حرية في الفضاءات العامة والمراكز التجارية دون أي خوف من نقل العدوى لآخرين بل قد يكون سببا في نهاية حياتهم، كيف يتجاهل هذا الذي يجعل من نفسه انتحاريا يحمل على عاتقه مهمة تفجير قنابل الفيروس الموقوتة في كل مكان يتوجه إليه أن يهنأ بعيشه بعيدا عن تأنيب الضمير؟.
أليس هؤلاء الناشرون لفيروس كورونا كانهم يحملون «حزاما ناسفا» لتنفيذ هجوم انتحاري مجهز بعوامل العدوى اللعينة، فانتحاري كوفيد -19، لن يفجر نفسه فقط بل ستطول مهمته مع بقاء الفيروس نشطا داخل جسده، ما سيرفع عدد ضحاياه ممن أصيبوا بالعدوى، ويزيد من تعقيد الوضع الوبائي في البلاد.
هذا الهجوم الانتحاري غير المعلن يرفع النقاب عن ثغرات كبيرة في تكوين شخصية الفرد في المجتمع، فعندما تسود قاعدة مثل «لا أمرض وحدي» بيننا، يتوجب البحث عن سبب السلبية والأنانية التي طغت على تعاملاتنا الاجتماعية بل أصبحت المحرك الأول لها، خاصة وأن هذه القنابل الفيروسية لا يكشفها أي جهاز، لأن مادتها المتفجرة ليست إلا عامل ممرض صغير لا يمكنه التكاثر إلا داخل خلايا كائن حي آخر لا يمكن رؤيتها لكن أعراضها ظاهرة ومميتة.