أتساءل في بعض الأحيان عن السبب الذي جعل كثيرا من العائلات تبالغ في التعبير عن فرحتها بنجاح ابنها في شهادة البكالوريا، فمن «البوق» إلى قيادة السيارة بجنون وعدد من المراهقين فوق سقفها يرقصون ويصرخون، وصولا إلى الألعاب النارية التي لا تسكت فرقعتها حتى ساعات متأخرة من الليل، تحول النجاح الى «خيبة امل» مجتمعية يتحمل عواقبها أولياء جاروا في كل شيء، وفقدوا بوصلة المشاعر الإنسانية لدرجة أنهم لا يبالون بمرض جار أو حزن آخر أو رسوب أحدهم.
لكن البوصلة تحوّلت مع مرور الوقت الى حالة من «السفه الأبوي» سمح بأن يقود مراهق سيارة والده مع أصدقائه ليقوم بمناورات خطيرة تسببت في العديد من المناطق بحوادث مرور مميتة، بل بعضها مات فيها التلميذ الناجح في البكالوريا ليحول الفرح في جزء من الثانية الى مأتم لا ينفع فيه ندم.
التعبير الخارج عن المألوف سواء كان فرحا أو حزنا يحتاج الى دراسة جدية للتعرف عن سبب المبالغة الكبيرة في اظهار مشاعر إنسانية لا يمكن أن تكون سببا مقنعا ليختل توازن العقل، فلا يمكن أن يكون آباؤنا قد كسروا القاعدة عندما فرحوا بنجاح أبنائهم بزغاريد ومشروبات توزّع على الجيران، أما الصراخ والمناورات الخطيرة والألعاب النارية لم تكن متواجدة بعد في قاموس تقاليد الاحتفال بنجاح التلاميذ في مختلف الاطوار التعليمية.
الغريب أن كل المناسبات السعيدة أصبحت تعتمد طريقة «الملاعب» في الاحتفال فالأعراس اليوم تحوّل الـ «كورتاج» فيها إلى وسيلة لإظهار البذخ وطبعا «التباهي» الزائد عن اللزوم، حتى يظن الرائي أن أهل العروس متوجهون إلى «حرب» بسبب الألعاب النارية التي لم تعد حكرا على المولد النبوي الشريف.
الأغرب أنها العاب خطيرة تمسّ بسلامة العامة في الساحات، الشوارع والطرقات، لكن لا أحد يتحرّك لإيقاف «سيرك» تجاوز الخطوط الحمراء بسبب عقلية «الستاد» ليتولد بسببها عن الفرحة عنف اجتماعي بسبب الخروج عن قواعد السلامة العامة.