قبل أربعة عقود من الآن شكّلت سياحة المتاحف في الجزائر إحدى أهم دعائم الاقتصاد الوطني، وبرزت بشكل لافت للانتباه متربّعة على المشهد الثقافي باعتبار المعالم التي يحوز عليها البلد من نوادر المتاحف في العالم فهي مفتوحة على الطبيعة، مثل الطاسيلي، الهقار، الاسيهار، تاغيث، حمام الصالحين، «المسخوطين»، ومنها ما شكل تحفا فنية لحضارات سابقة مثل تيمقاد، تيبازة، جميلة، ومنها من لا يزال تحت الأرض ينتظر التنقيب والبحث مثل مدن كل من طبنة، عين الحنش، مداوروش وبئر العاتر، ومنها من لم تستغل بالشكل الكافي، مثل مغارة ابن خلدون بتيارت، وموطن القس أغسطين بطاقاست «سوق أهراس»، وغيرها من التحف والمعالم المغيبة والغائبة من ثقافتنا المتحفية.
قبل أربعة عقود كانت المؤسسات التعليمية بأطوارها الثلاثة تخصص على مدار السنة رحلات استكشافية للتلاميذ، يرافقهم في ذلك دليل سياحي، متواجد على مستوى هذه المعالم، يتحدث باللغات الثلاث يقدم لهم شروحات حول الآثار والحفريات، توزع لهم مطويات ملونة بالصور والسّير، وأثناء عودة المتمدرسين الى مؤسساتهم وبطلب من السلك التربوي يحرّرون مواضيع إنشائية حول رحلتهم السياحية التربوية.
فكانت الثقافة السياحية تغرس في نفوس الناشئة، وتحفظ المناطق والمعالم في الذاكرة في ساعات المهد.
كما كانت الخطوط الجوية الجزائرية عبارة عن مكتبة متنقلة يجد السائح الأجنبي على متنها كتبا، مجلات، بطاقات بريدية ومطويات مختلفة تحفزهم على زيارة هذه المناطق مانحة اياهم الرغبة في الاكتشاف والوقوف أمام سحرها وجمال طبيعتها، وكانت موانئنا تستقبل سيارات رباعيات الدفع من مختلف الأنواع والأحجام والدراجات النارية تحج جميعها الى الصحراء للمشاركة في سباق المركبات الذي تحول في ما بعد الى رالي دولي.
قبل أربعة عقود من الآن، كانت فنادقنا القليلة عاجزة عن تلبية طلبات الحجز للوافدين الأجانب فتحولت مدننا الداخلية الى مزارات أجنبية، ولم تعد بيوت الشباب القليلة كافية أمام تدافع السياح الباحثين عن اكتشاف هذا البلد والتمتع بمناطقه السياحية المتنوعة، في المقابل نمتلك اليوم حظيرة فندقية لابأس بها، لكنها لا تروج للثقافة السياحية.
الجزائر بلد بحجم قارة وتنوع الحظيرة السياحية لم يعد مقتصرا على الشواطئ والمتاحف فقط بل يجب الانتقال الى ارساء ثقافة سياحية إضافية تتعدى ذلك، مثل السياحة الحموية، الجبلية، الدينية، التاريخية، وما بحوزتنا اليوم من هذه الكنوز كفيل بأن يكون مؤشّرا اقتصاديا بديلا عن النفط.