ليس من موعد مثل عيد الأضحى لتمكين أسر أخطأ أبناؤها في التعامل مع امتحانات البكالوريا من الالتئام مجدّدا، فالعيب ليس في الخطأ وإنما في الإصرار عليه، ومن ثمة جاءت مبادرة الإفراج عن مجموعة من التلاميذ تورّطوا في أعمال الغش، عمل يتنافى مع أخلاق العلم ويتعارض من قاعدة المنافسة الشريفة.
مرحلة جديدة يعتقد أن يخوضها المستفيدون من العفو لإعادة بناء مسار حياة متّزنة ترتكز على استخلاص العبر واستشراف المستقبل، قوامها الجهد والجد والأخلاق، قاعدة كل بناء صلب ومتين، عماده الشباب ليساهم في بناء مسار جزائر جديدة من بوّابة العلم والأخلاق، معادلة لا مكان فيها للغش أو التلاعب وكل ما في قاموس الفساد.
إنّه فساد استشرى السّنوات الماضية غذّته ممارسات بيروقراطية تغلغلت في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية وشتى المرافق العامة، بما فيها المنظومة التربوية التي تعاني من تراكمات أنتجت اختلالات عميقة تحتاج إلى إصلاحات هادئة ومتبصّرة بمساهمة كافة الشركاء تحت مراقبة خبراء «مستقلين» يوّفرون المناعة في مواجهة الايدولوجيا ومرادفتها، التي تنخر المجتمع وتقاوم التغيير، ممر حتمي «لعبور آمن» إلى المستقبل، مهمّة تتطلّب انتهاج مسار المنافسة وتفوّق الذكاء.
لذلك كان لزاما من منطلق تأسيس أرضية أخلقة الحياة العامة انسجاما مع مطالب «الحراك» كسر شوكة الفساد بمعناها الشامل بما في ذلك الغش ومحاولات سرقة مراتب غير مستحقة، بطرق ملتوية من شراء للذمم ووساطة قاتلة للأمل، لها كلفة باهظة على مناخ تطوّر الأجيال، فكان التّعامل معها بصرامة القانون، من أجل ترسيخ ثقافة الجدّ وحماية الجهد، باعتباره مصدر مناعة المجتمع في مواجهة عولمة لا تكبحها سوى سلوكات مطابقة لمعايير العمل السليمة.
بالتأكيد أنّ الرّسالة القوية للتّصدّي لما حصل في امتحانات البكالوريا، علاوة على طابعها الزجري، لها مغزى بيداغوجي يعني كل المجتمع انطلاقا من الأسرة، بأن يتم بناء شخصية الشباب على قواعد التنافس النزيه والحرص على النجاح بالعمل وتحمل المعاناة وقبول تفوّق الذكاء، باعتباره سبيل الرقي للمجموعة الوطنية كلّها، فلا يمكن حينذاك أن يصمت على تجاوزات منبوذة وسلوكات بائسة لا تصمد أمام حقيقة الزّمن وواقع الميدان.