بعد أيام فقط يحتفل المجتمع الجزائري على غرار باقي الأمة الإسلامية بعيد الأضحى المبارك حاملا معه الكثير من الرمزية في موروثنا الشعبي، رمزية يضعها الزحف الفيروسي لكوفيد-19 محل استفهام على اعتبار أنها توطيد للعلاقات الاجتماعية خاصة العائلية، فالبيوت كلها يوم العيد مفتوحة للمة تجمع العائلة الكبيرة حول «أب» و»أم» هرما ولم يبق لهما سوى أبناء يتصيّدون المناسبات الدينية للاجتماع بهم لأطول وقت ممكن.
الناظر إلى تلك الجلسات العائلية يجدها لقاء يجمع ثلاثة أجيال أو أكثر في لحظة واحدة لتتجلى بذلك رحلة الانسان من المهد إلى أرذل العمر، هي حقيقة الحياة التي تبدأ بصرخة وتنتهي بألم وحزن ووجع، لكن أن يكون واحدا من تلك الأجيال سببا في هلاك آخر، فتلك المعادلة الصعبة الواجب حلها قبل أيام من عيد الأضحى.
لم تترك السلالات المتحوّرة والارتفاع الجنوني لعدد الإصابات خيارات كثيرة فإما التباعد الاجتماعي أو الموت، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اختيار الثاني لأنها مسؤولية كبيرة وعبء ثقيل صعب تحمله، فأن تكون سببا في موت أب أو أخ أو ابن أو أخت أو زوجة أخ، أو جد وأنت تعلم جيدا أن ذهابك إليهم قد يؤذيهم، سيدخلك دوامة تأنيب الضمير لأنك حوّلت حياة أحبائك إلى ضربات ترجيحية «يا صابت، يا خابت».
الحياة ليست لعبة لأن اللعب بها مثل اللعب بالنار الخطأ ثمنه غال جدا قليلون فقط من يستطيعون تحمل أثاره النفسية المدمرة، أعرف شخصا يعمل في مختبر للتحاليل الطبية تسبب في موت والديه، وأخته وزوجها ودخول أخاه في غيبوبة بسبب نقله العدوى إليهم جميعا، لم يظهر له أثرا منذ جويلية 2020، بعد إصابته بصدمة نفسية أفقدته عقله بسبب هول ما حدث، فقد كان كـ»قنبلة» موقوتة اختارت المنزل لتنفجر داخله.
وحتى لا نعيش تلك التفاصيل المؤلمة لنبتعد عمن نحب لأنه الطريق الآمن للإبقاء عليهم في حياتنا، علينا أن نعي دروس كوفيد-19 القاسية، فمنذ ما يزيد عن السنة علمتنا أن الابتعاد ومسافة الأمان أيضا تعبير صريح عن الحب.