ذكرت تقارير إخبارية أنّ نسبة التّضخم (في حصّالتنا)، بلغت - إلى غاية ماي المنصرم - ثلاثة في المائة وبعض الأعشار (التي لا تهمّنا كثيرا)، ولم تذكر التقارير إن كانت هذه النّسبة معقولة وجيّدة، أو مذهلة ومدهشة، أو خطيرة ومخيفة، فهي - كما تعوّدنا منها دائما - «نسبة» يحسبها الدّيوان الوطني للإحصائيّات، ويلقي بها إلى وسائل الإعلام التي تنقلها دون مساءلة، وقد يلمحها قارئ فيمرّرها، وتقع بين يدي مختصّ فـ (يضرب النّح)، وكل شيء على ما يرام..
ويبدو أنّ روّاد الأسواق الجزائرية، لا يحتاجون إلى التعمّق في نظريات الاقتصاد، ولا إلى فهم هذا «التّضخم» الذي ينوّه به المختصّون تارة، ويلعنونه تارة أخرى، بل ويختلفون في تحديد ماهيته اختلافا كثيرا، حتى إنّ الواحد من التّجار (مثلا) تراه يتلقّف «المصطلح»، فيسارع إلى لائحة أسعاره، ويضاعف ما عليها من أرقام، ولا تسمع بعد ذلك سوى تلك اللازمة القائلة: (دارهمنا طاحوا..).. ولا أحد يعرف أين (طاحوا) ولا كيف (طاحوا) ولا (لماذا طاحوا)، فـ «دراهمنا» لا تشارك في (بطولة البورصات)، وهي حلال لا تغامر ولا تقامر، وغاية مطمحها أن تخرج من «الحصّالة» المركزية، لتقضي بعض الأيام في جيب الموظف، ثم تتوزّع على الدّائنين وأصحاب الخدمات، وينال منها هؤلاء وأولئك، لتنتهي رحلتها في منتصف الشّهر أو قبله بقليل، إن هي أحسنت التدبير، وحرصت على «التقتير»، ثم تتحوّل إلى «كنز» مغمور، أو تعود إلى «الحصّالة» كي تحضّر نفسها لدورة جديدة، وهكذا دواليك..
صراحة، لا نعرف إن كانت نسبة التّضخم المذكورة لها دور في ارتفاع الأسعار، ولكنّنا نعرف جيدا أن المشكلة الرئيسية ليست هذا الذي يسمى «التّضخم»، وإنما هي «ضمور» أصاب الأخلاق، و»انكماش» زحف على الضّمائر، وفوضى لا يمكن لأيّة نظرية علمية أن تقاربها..