بات من الصعوبة بمكان التنبؤ بما سيحدث في منطقة الساحل الإفريقي في خضم تحولات جيوسياسية متسارعة، مرتبطة بصراعات القوى الغربية الكبرى الجاثمة على تقرير مصير مستقبل شعوب العالم الثالث، ولا غرابة في ذلك ما دام الصراع الدائر حاليا بين أقطاب الرأسمالية والاشتراكية يشتد بحثا عن مناطق نفوذ وتوسع جديدة باستخدام منطق القوة والثروة في نفس الوقت.
الصراع السياسي كما الاقتصادي باتا وجهان لعملة واحدة، والدول الضعيفة تعي هذا ولا تحرّك ساكنا في كثيرمن الأحيان، سوى إعطاء إشارات وتحذيرات على تفاقم أزماتها الإجتماعية والاقتصادية الداخلية، وهو حال بعض دول الساحل الأفريقي التي تتخوّف من تحوّل المنطقة إلى ساحة للحروب بالوكالة بين القوى العظمى، في ظلّ تنافس شرس بدت معالمه منذ انقلاب أوت الماضي في مالي وما تلاه من تبعات أمنية.
سيناريوهات مخيفة تلوح في أفق منطقة الساحل الأفريقي في ظلّ تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية، بعد تحذير قادة دول الساحل الخمس في قمتهم الأخيرة، من تداعيات تفكيك الميليشيات والمرتزقة المنتشرة في ليبيا واتجاهها نحو الساحل والصحراء وهو سيناريو لم يعد خفيا بعد تأكيد تقارير سابقة عن ضلوع «مرتزقة « منتشرين بليبيا في «عملية اغتيال» رئيس تشاد إدريس ديبي وهي الدولة المحورية في مكافحة الإرهاب بالمنطقة كونها تضمّ قاعدة عملياتية أمريكية وأخرى فرنسية.
تحذير دول الساحل من خطر تحوّل المرتزقه إلى المنطقة، جاء بعد ظهور مؤشرات تتزامن وضغوط دولية لخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا قبيل تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّرة نهاية العام الجاري، حيث تطرح التساؤلات عديدة عن وجهة المرتزقه في حال إخراجها ؟
مع تبني واشنطن سياسة جديدة لمواجهة نفوذ الصين الاقتصادي والتوسع الروسي بعيدا عن منطق الحروب بالوكالة، يبدو أن الساحل الأفريقي سيكون محطة أخرى للصراع وفق مؤشرات راهنة، وذلك بعد استبعاد أفغانستان التي انسحبت منها دول الناتو، وكذلك توجّه سوريا والعراق نحو وضع استقرار!، هذا مؤشر واضح على تأجيج التوتر باتجاه القارة السمراء في انتظار وضوح الرؤية!