أحيا الأفارقة، أمس، اليوم الإفريقي لمكافحة الفساد، وكانت المناسبة مواتية للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، كي تقيم يوما دراسيّا، تبحث فيه عمّا يكفل لها القيام بدورها، ويمنحها تصوّرا واضحا عن الآليات التي ينبغي تفعيلها في درء المفاسد.
والحقّ أنّ يوما دراسيا فريدا، لا يمكن أن يحيط علما بالظاهرة، ولا بأسباب التّصدّي لها، خاصة وأن الأمر متعلّق بـ»الفساد» في مقام أول، ثم إنّه «الفساد في إفريقيا»، في مقام ثان، ما يعني أنّه معقّد بطريقة تخلب الألباب.. بل إنّه معقّد بطريقة قد تقنع «التعقيد» نفسه بأن يترك أشغاله، ويستريح، فهذه إفريقيا.. وما أدراك ما إفريقيا..
ولسنا نشكّ في نوايا الدّارسين الحسنة، ولا في رغباتهم الصادقة في البحث عمّا يحاصر الفساد والمفسدين، ولكنّ واقعنا – نحن الأفارقة – يقدّم كثيرا من الأمثلة عن «الفاعلية العديمة»، وعن معنى «الإنسان» الذي يتفلّت منّا، وعن روح التّواكل الذي يسكننا، وعن الأنانيات التي تعترينا، وعن الكبر الذي يهيمن على قلوبنا، وعن التصحّر الفكري الذي يزحف علينا، وعن أنواع أخرى ملوّنة من «الفساد المنقّح» تصنع يومياتنا، ولهذا كلّه، نحظى بتلك الرّتبة المهيبة التي يطلق عليها الناس اسم «التّخلف»..
كل القارات وجدت الحلول لمشكلاتها العويصة، وما تزال إفريقيا، منذ عشريات طويلة، تعلك نفس الكلام، وتردّد نفس الخطاب، وتقيم نفس النّدوات، وتجترّ نفس الدّراسات، وتعلّق إخفاقها على قدماء الكولون تارة، وعلى ثقل التاريخ والجغرافيا تارة أخرى، أو يوحي لها عقلها المسحور بأنّ المشكلات جميعا ليست سوى مجرد نقص في مادة «الزّهر والميمون».. وهذه إفريقيا، وكاتب السّطور إفريقي، ويفتخر..
أمّا مكافحة الفساد، فهي تحتاج إلى تأسيس معنى الانسان.. فقط..