لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول حالة الفوضى والتشتت الاجتماعي الذي نعيشه، فلا يعقل ان يواجه المجتمع الموت بعقلية «مول النية إذا ما ربح يسلك على خير»، لأنه يعكس في جوهره سيطرة الفكر التغييبي الذي يظهر جليا في «رَكن» العقل على الهامش ليصبح الدجل والشعوذة التفسير المقنع لكل ما نعانيه من أزمات ونكبات.
في السنوات الأخيرة يُرجع المجتمع كل نزواته وانحلاله وابتعاده عن جادة «العقل والصواب» الى «السحر»، تفسير ميتافيزيقي مرتبط بعالم غيبي لا نعرف عنه شيئا سوى ما ذكر في القرآن الكريم والموروث الشعبي، وبين «شمهروش» و»بلكحل» ضاع المجتمع في وحل الشعوذة والدجل، ليصبحا التفسير «المنطقي» لكل اخفاقاتنا حتى وان كانت علمية بحتة.
الغريب في الأمر ان «السحر والشعوذة» تثير اهتمام مختلف المستويات المعيشية، العلمية والمهنية، فحتى من بين من لديهم مركز اجتماعي يستنجدون بـ «شمهروش» من أجل تحقيق مآرب شخصية، بعد ان عجز مستواهم التعليمي والاجتماعي من الوقوف في وجه تفكير تغييبي يرفض العقل كمصدر للتفسير و»التأويل».
يمكن إيجاد تفسير لإقبال العامة على الدجل كأسلوب حياة فمستواهم المحدود وقلة حيلتهم وابتعادهم عن التحصين الديني القوّي، جعلهم يقفون مسلوبي العقل والروح أمام الحكم على العقل بـ «الاعمال الشاقة» في سجن التغييب والدجل، ما يعني ان المشكل عميق ومتجذر في المجتمع ويحتاج الى عملية إعادة «ترميم» حقيقية للضمير الجمعي حتى نستطيع الخروج من ظلمة «الدجل» الى نور «العقل».
هو تغيير يحتاجه المجتمع من أجل انقاذ نفسه من الانغماس أكثر في وحلٍ الغرق فيه يعني موتا محتوما، بعيدا عن أي فرصة للنجاة أو الخروج حيا، لذلك كان التفكير مليا في طريقة أنجع للعودة الى حقيقة مطلقة جوهرها الغد بكل مقوّماته في صناعة مستقبل يؤمن بالعلم «سلطانا» يعلو ولا يُعلى عليه.