غداة الانقلاب الثاني في جمهورية مالي الذي أطاح بقادة المرحلة الانتقالية، تعالت أصوات التشاؤم أكثر من التفاؤل على مستقبل بلد غارق في متاهات الفوضى والإرهاب، وانتقد المجتمع الدولي بشدة قائد الانقلابين آسيمي غويتا، رئيس الدولة للمرحلة الانتقالية الحالية، وجمّدت دول مجموعة غرب إفريقيا «ايكواس» عضوية باماكو من التكتل الاقتصادي في إطار عقوبات متتالية لإقناعه بالرضوخ لسياسة أمر واقع تفرضها هيمنة قوى غربية على رأسها فرنسا.
لكن القائد العسكري رأى فيها فخا لترويض جموحه الوطني والسياسي، النابع من إرادة شعبية وقفت وراءه ودعّمته في انقلاب أوت الماضي أطاح بالرئيس إبراهيم ابو بكر كيتا، لإخراج الجمهورية من دائرة الهيمنة الغربية وبراثن الاستبداد، التي تعتبر عوامل أساسية لانتشار الإرهاب، واستمرار وضع الدولة الهشّة، رغم جهود دول الجوار وفي قدمتها الجزائر للوقوف مع الشعب المالي لإنجاح النظام الديمقراطي عبر مقاربة التنمية والسلم والمصالحة.
تداعيات عديدة وتحولات أحدثها الانقلاب الثاني لاسيما في علاقة ساسة مالي بالدول الغربية لاسيما فرنسا التي جثمت لعقود ولا تزال على ثروات الشعب المالي مستغلة فزاعة الإرهاب، للاستمرار في سياسة تجويع شعوب المنطقة وليس دولة مالي فقط، وأعلنت غداة الانقلاب الثاني إلى سحب قواتها العسكرية وعملية «برخان» التي تضم 5100 عسكري على خلفية تنحية بعض ما يقال إنهم متعاونين معها في صناعة القرار السياسي، وهو ما اعتبر حينها إخفاقا مخابراتيا كبيرا لا تزال تداعياته تسجل يوميا، كان آخرها نكسة الانتخابات المحلية لحزب الرئيس ماكرون.
سيناريو محاولة إخضاع الرئيس الانتقالي غويتا من طرف باريس لسياستها كان واضحا منذ توليه الرئاسة، ورفضه التنازل عن إستراتيجيته لدفع مالي نحو نظام ديمقراطي جديد، وصفته فرنسا «بأنه خروج عن القانون»، لكنها استسملت في نهاية المطاف بعد قبول الرئيس ماكرون محاورة غويتا، وتكليف مبعوثين خاصين للتحاور معه والقبول بسياسة الأمر الواقع، بدل تركه لربط تحالفات جديدة مع دول تنافسها على النفوذ في هذه المنطقة التي ظلّت تعتبرها حديقتها الخلفية.