لاشك في أن التباين الواسع والنقاش الحاد الذي خيم على جلسات ملتقى الحوار السياسي الليبي، يؤكد نضجا سياسيا كبيرا ومسؤولية أكبر يتحملها المعنيون المكلفون برسم خارطة طريق جديدة لإخراج ليبيا من رقعة الصراع المصالحي، وليس في ذلك شك، ما دامت الخلافات الحاصلة تصب في مصلحة الوطن والشعب الليبي.
كما أن هذه الخلافات ولما تمثله من مخاض عسير نحو تحقيق الاستقرار، تسجل في خانة التكامل وليس التضاد بمفهومه الواسع، كون المبتغى والهدف واحدا من سلسلة مشاورات ماراطونية لتحديد قاعدة دستورية لانتخابات برلمانية ورئاسية مقررة في 24 ديسمبر المقبل، في حال ترتيب البيت الداخلي وتعبيد الطريق بإجماع لتحقيق ذلك، رغم التحديات المفروضة على المستويين الداخلي والخارجي.
أعضاء ملتقى لجنة الحوار السياسي الليبي، اتفقوا على تشكيل لجنة للتفاوض بشأن الانسداد الحاصل بالملتقى. وتم اختيار 14 عضواً للجنة التوافقات بالملتقى لحسم القضايا الخلافية، بعد اتساع الهوة بين الأعضاء الذين كانت لهم المسؤولية قبل أشهر في اختيار السلطة التنفيذية الليبية، ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
لكن دون شك، أعضاء الحوار السياسي واعون بثقل المسؤولية مرة أخرى أمام الشعب الليبي والتاريخ، الذي سيسجل أسماءهم في سجل المرحلة الراهنة التي تقتضي تقديم تنازلات لصالح الوطن، دون الانحياز لطرف على حساب آخر، وهو مسعى يبدو واضحا في تمديد جلسات ملتقى الحوار السياسي من أجل التفاوض بشأن القاعدة الدستورية محل الخلاف الرئيسي.
ليبيا تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى الوحدة والتوافق والسيادة الكاملة من أجل نهضتها السياسية والمؤسسية والاقتصادية. ولا يمكن حدوث هذا دون التوصل إلى اتفاق على أساس توافقي واسع يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها، وهو ما يعمل عليه أبناء ليبيا الوطنيون الراغبون في إنهاء معاناة شعبها وصون كرامته وحريته وأرضه.
بيد أن الطريق لا يبدو مفروشا بالورود، رغم النوايا الحسنة للسلطة التنفيذية الليبية، التي تواجه تحديات كبيرة من أطراف في الداخل والخارج تشكك في مسعى تنظيم الانتخابات، وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية صمام أمان البلاد ومفتاح نجاح السلطة للوفاء بوعودها التاريخية لطي صفحة صراع الشرعية.