إلى وقت غير بعيد، كانت إفريقيا غارقة في الحروب والاضطرابات، فلم تكن دولة من دول هذه القارة المترامية الأطراف، النائمة على ثروات لا تنبض، تعرف السكينة والاستقرار، فالأمن كان على الدوام عملة نادرة، وبلوغ السلطة لا يتمّ إلا عبر أنهار من الدّماء، دون الحديث عن المذابح والمجازر التي ترتكب حينا بسبب الاختلافات العرقية وتارة بسبب التباينات الدينية لتتحوّل السّمراء منذ تحرّرها عن الاستعمار الغربي إلى مفرخة للأزمات والمآسي الاجتماعية، ففيها أكبر نسبة من الفقراء واللاجئين والنازحين وضحايا الحروب والأوبئة والمجاعات وحتى الإرهابيين.
لقد ظلّت إفريقيا طيلة العقود الماضية تبحث عن طريق الخلاص، فكانت كمن يبحث عن إبرة في كومة قشّ، لتجد نفسها خلال 60 سنة كاملة محصورة داخل دائرة سدّت القوى الاستعمارية السابقة منافذها وأحكمت عليها قبضتها، تستنزف خيراتها وتسرق مقدّراتها بعد أن شغلت شعوبها بالبحث عن أمن ضائع ولقمة عيش مفقودة.
لكن رغم ليل المعاناة الطويل، فإن دولا افريقية كثيرة قرّرت أن تنتفض على هذا الواقع المر ّ لترسم مستقبلا جديدا لا مكان فيه لهيمنة الآخر ولا للحروب والاضطرابات، وفعلا لقد سكتت أصوات البنادق في العديد من الزوايا والأمكنة، و أخذت عمليات الانتقال الديمقراطي تسجّل بنجاح هنا وهناك فاتحة الطريق أمام استقرار بدأ يثمر انطلاقة اقتصادية واعدة تبعث على التفاؤل والغبطة.
من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، استوعبت إفريقيا سبب بلائها وقّررت أن تضع حدّا لسطوة الاستعمار القديم الجديد، فحدّدت خطوطا حمراء للمتربصين بها.
ووضعت أسلاكا مكهربة للطامعين في خيراتها كما قرّرت أن يكون تعاملها مع الآخر على أسس تحفظ مصالحها أوّلا وأخيرا، هذا على المستوى الخارجي، أمّا داخليا فقد راهنت على المصالحة باعتبارها مسلك الأمان الوحيد، وقد شهدنا ولا زلنا الكثير من دول القارة تخصّ المصالحة بوزارات كاملة، مثل دولة مالي التي عيّنت وزارة للإدارة الإقليمية والمصالحة الوطنية، وتعهّدت بتنفيذ اتفاق “السلم والمصالحة” المنبثق عن مسار الجزائر، وفي كوت ديفوار، التي عاشت حربا أهلية مدمّرة، تمّ إنشاء” لجنة الحوار والحقيقة والمصالحة” أما سيراليون التي ظلت تئن تحت وطأة الحرب والعنف لسنوات طويلة فقد كتبت قصتها في بناء المصالحة المجتمعية التي تحوّلت إلى مصدر إلهام لكل المجتمعات التي دمرها الصراع وقطع أوصالها، ونفس المسار تنتهجه ليبيا وكلّ الدول التي عصف بها العنف، والتي أدركت بأنّ المصالحة هي أقصر طريق نحو الاستقرار والأمان.
يبقى فقط على الشعوب الافريقية التي نراها تنتفض وتخرج في مظاهرات للتخلّص من أسر المتسلطين عليها، أن تنخرط أكثر في مسار المصالحة وأن تعمل ما في وسعها لإنجاحه ففي النهاية هي الرابح.