في السّبعينيّات، كان الجزائريّون يصفون «التّلفزيون» بأنّه «صندوق العجب»، وظلّت هذه العبارة في مستواها المجازي الإيجابي لم تبرحه، إلى أن تحوّل «العجب» وأصبح واقعا معيشا، وتخصّص في نشر الدّنايا والعاهات والموبقات، باسم «الحق في الإعلام» تارة، وباسم «حرية التّعبير» تارة أخرى.
ونعترف بأنّنا لا نفهم أعجوبة الأعاجيب التي نعيش، فـ «الإعلام» في كل بلاد العالم، اتّخذ مسارات تطوّره من الرّداءة إلى الجودة، وتوّجت المسارات بمواثيق أخلاقيّات تحتفظ للنّاس بحقوقهم في الإعلام والتّعبير، وتضع الحدود التي تحفظ للأمة مقوّمات وجودها، ومعالم سموّها، بينما اختلف المسار عندنا، فقد بدأ إعلامنا (المبجّل) بوضع ميثاق الأخلاقيّات أوّلا، ثم اتّخذ مسارا عكسيّا نحو الرّداءة، وحرص على صياغة «التّخلّف» في مختلف أشكاله، فإذا أخبار المنوّعات، تصنع الصّفحات الأُولى، وإذا سفاسف الأمور تتحوّل إلى «قضايا مهمّة»!! واتّخذ «التّحرير» معنى «التّلفيق»، وتمّ ترسيم «الأكاذيب» و»الأراجيف» في قائمة مميّزات «الإعلامي النّاجح»..
وأعجب من صندوق العجب، أنّ الجميع يردّدون كل يوم أنّنا في عصر حضارة الإعلام، وأنّ دور الإعلام في الحفاظ على مقوّمات الأمّة خطير للغاية، وأنّه ميدان تربية، ووسيلة توجيه، وأنّه يحمل رسالة سامية، ويتحمّل مسؤوليات جساما، حتى إذا انتهى حفل ترديد الشّعارات، يفسح المجال لـ «العقل السّحري» كي (يترحرح)، وتتضافر «الجهود»، كلّ على حسب مستوى رداءته.. هذا يلقي بسموم ما يسمّيه (السّحر) إلى عقول النّاس، وذاك يخوّفهم بالعفاريت والمرَدَة، وثالث يشكّك في العقائد، ورابع يسطو على التاريخ، وخامس يخوّن الأبطال، وآخرون يدسّون الشّقاق وسوء الأخلاق، ويضيع النّاس بين جهالات مفروضة عليهم باسم «حرية التّعبير» و»الحقّ في الإعلام»..
حينما كنّا نعيش حضارة الإعلام حقيقة، لم تكن النّطيحة والمتردّية تتصدّى للكلام، وإنّما كان الكلام حقّ من يحسنه، فاللّغو لم يكن اللّغة، و»حرية التّعبير» لم تكن غير ذلك.