رغم عقود من تبنّي الديمقراطية، لا يزال مفهومها يختلف من بلد إلى آخر، وإن كان فقهاء السياسة والفلاسفة قد اتفقوا على تصنيفات لها في الأنظمة الديمقراطية والشمولية على حد سواء، لكن تبني بعض الدول لمبادئ ديمقراطية على مقاسها بما يخدم مصالحها بات يثير مخاوف دول تسعى لطموح التغيير على غرار ما يحدث مع فرنسا في دولة مالي.
التواجد الفرنسي في مالي بكل أشكاله منذ سنوات يجسّد مثالا بارزا لتناقض باريس في سياستها الخارجية لاسيما في مستعمراتها السابقة، ويتجلى هذا بوضوح خلال هذه الأيام بوقوعها في مستنقع حرب استنزاف، بعد إعلانها عن انتهاء عملية «برخان» العسكرية واستبدالها بتحالف دولي لمحاربة الإرهاب، بعد يقينها أنّ هيمنتها قد تراجعت بشكل كبير بعد صعود العقيد آسيمي غويتا ورفاقه، وتمكّنهم من مقاليد الحكم بمباركة شعبية وإقليمية عقب انقلابين يؤشّران لإنهاء الهيمنة الفرنسية في الساحل الإفريقي، ووصف الرئيس ماكرون هذا التغيير بأنه انقلاب على الديمقراطية.
لكن هذا التحالف الذي تريده فرنسا بديلا لن يكون سهلا، وقد بدأت العراقيل تواجهها بعد تلقيها صفعة قوية برفض البنتاغون المشاركة في التحالف، تنفيذا لسياسة بايدن الجديدة في الشرق الأوسط، التي تتقاطع مع توجه الجزائر الرافضة للحروب بالوكالة وسياسة ملء الفراغ.
قادة المرحلة الانتقالية في مالي يشكّلون عائقا أمام فرنسا بعد إعلانهم عن بداية تبني ديمقراطية جديدة لا شرقية ولا غربية، ستكون انطلاقتها عبر إنجاح المرحلة الانتقالية التي أساسها المصالحة الوطنية المنبثقة عن اتفاق الجزائر للسلام، وعمادها الإرادة الشعبية، وهو ما أزعج باريس الباحثة عن خروج مشرف، يمحي آثار سياسة ماكرون في الشارع الفرنسي الرافض لسياسته، ما أدى إلى تراجع شعبيته قبل عام على موعد انتخابات رئاسية اعتادت باريس استخدام ورقة محاربة الإرهاب ضمن أجندتها لترجيح الكفة لصالح مرشح يخدم مصالحها.
رفض حلفاء فرنسا المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب رسالة قويّة لنهاية المقاربة العسكرية وعهد الحروب بالوكالة التي طالما استنكرتها الجزائر في المحافل الدولية حماية لاستقرار الدول.