لم تشهد أي تشريعيّات في تاريخ الجزائر، قوائم حرّة، بالعدد الذي عرفته التّشريعيّات الأخيرة، ولقد قدّم الأحرار أسماء متمكّنة للغاية، حتى إن هناك من ارتكب لغة اليقين، وهو يتحدّث عن مجلس شعبي وطني من الأحرار يمكن أن يحدث بالمشهد السياسي واقعا غير مسبوق.
وكان للأجواء التي حضّرت للانتخابات دورها في تحفيز الخطاب السياسي، فأبدع المتنافسون في تسميات القوائم، وتفنّنوا في أساليب العرض، وحرصوا على تقديم صورة نموذجية عن النّائب، لولا أنّ نقص الخبرة في الميدان، كان عاملا مضادّا لطموح هذه القوائم، ولم يمنحها - وفق النّتائج الأولية - ما يكفل لها الإسهام في العمل التّشريعي.
ثم إنّ الاستراتيجية التي اتّبعتها كثير من القوائم، قد تكون صالحة في الانتخابات المحلية، أين تركّز الجهود على بلدية بعينها، ولكنّها لا يمكن أن تغطّي ولاية كاملة تجمع عشرات البلديات، إضافة إلى أنّ كثيرا من القوائم ركّزت على مواقع التّواصل الاجتماعي، وهذه - في الحقيقة - لا يمكن أن تقدّم مؤشّرات حقيقيّة عن الواقع، فقد يجد المنشور عشرات الآلاف من المتابعين، ولكن هؤلاء لا يكونون من دائرة المترشّح بالضّرورة، فالتّأشير بالمتابعة غير مرتبط بحدود جغرافية، وبالتالي، لا يمكن اعتماده كمعيار لمدى الاختراق الذي تحقّقه القائمة؛ وعلى هذا، كانت الغلبة للأحزاب التي تتواجد في كل البلديات والمداشر والقرى دون استثناء.
هذه مؤسّسات لها تواجدها، وتشتغل في الميدان بصفة يومية، ولا يمكن منافستها بأيّة حال، فإذا تمكّنت قائمة حرّة من تمرير اسم من أسمائها، فهذا يعني أنّها تجمع مناضلين محترفين، لا يكتفون بالفسحة التي تتيحها الحملة الانتخابية.
ولا نعتبر إخفاق القوائم الحرّة خيبة، لأنّ الأحرار أضافوا إلى المشهد الانتخابي وهجا مختلفا، وقدّموا نخبة يمكن أن يكون لها إسهامها في الجهد الوطني، وفي كل حال، المنصب أعوام، والنّضال دوام، وليس من سبيل إلى الإقناع غير النّضال الصّادق، فإن لم تحظ القوائم الحرّة بالتّزكية هذه المرّة، فإنّنا نكتفي منها بالأسماء التي أضافتها إلى نخبة السياسيّين، وهذا في حدّ ذاته انتصار كبير..