لموقع أي دولة دور استراتيجي في تحديد ثقلها، غير أن مكانة الدولة ودورها في العمق الاستراتيجي تصنعه عوامل من داخلها، تجعل تأثيرها من جنس فاعليتها في عدة جوانب لا تمت للجغرافيا بصلة.
قوة الاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجيا الذي تحكمه قواعد الذكاء الإستراتيجي، عوامل هامة وحاسمة في توجيه العلاقات والأدوار الدولية لأي عضو، فضلا عن تحالفاته المصلحية، أو التقليدية التي تحدد وتتحكم في مواقفها الخارجية وحتى الداخلية.
أكدت الجزائر دورها الإقليمي وقررت الانتقال إلى دور اللاعب الفاعل، أين تحاول إدارة «صناعة الاستقرار» في العمق الإفريقي، عبر تقديم مقاربة أمنية تنموية بالمنطقة، تهدف لمجابهة مختلف التهديدات الأمنية القادمة من الساحل الإفريقي، والتي تشكل خطرا كبيرا على الأمن.
كما للجزائر دور محوري هام في السياسة الإفريقية، من خلال دورها الأساسي والهام في الإتحاد الإفريقي، حيث تعتبر قاطرة المساعي الكبرى في ترتيبه من أزماته المختلفة، لكن هل هذا يكفي..؟
وتجلى بوضوح أنه من الضروري إجراء مراجعات عميقة للمقاربات، التي تغيرت معها الحسابات والتحالفات ولم تعد تجدي القواعد التقليدية في التعامل مع ترابط المصالح الإستراتيجية، وأدوات الدفاع عنها، في ظل تحركات مريبة لقوى هجينة تحاول المساومة على قضايا استراتيجية وعادلة، تتعلق بملفات جوهرية في السياسة الخارجية لا تقبل التنازل أو التراجع.
ومع هذه التوازنات المختلفة والعلاقات المتنامية بين الجزائر وحلفائها التقليديين روسيا والصين، والعمق الإفريقي الإستراتيجي، ينبغي أن ندرك جيدا أن اللعب على أوتار علاقات مليئة بالألغام تحتاج لاستراتيجية المناورة تقود إلى تفكيكها وطرح بدائل، كما تقوم به الجزائر في معالجة ملفات دولية وإقليمية عديدة، أبرزها مالي وليبيا، حرصا على السلم كضمانة للتنمية. وقد أكدت ذلك بوضوح بالنسبة للقضية الصحراوية وقبلها القضية الفلسطينية بالانتصار للقانون والشرعية الدولية مصدر خلاص الشعوب المستعمَرة.
فضلا عن أن بلادنا بحاجة لبراغماتية تضخيم قدراتها الاستراتيجية في الجوانب العلمية والتقنية وتعزيز مواردها الاقتصادية والإنتاجية، لضمان الأمن الاقتصادي في عالم يحاصر ويتآمر على كل حرّ أو شريف.