تتغنّى الصّحافة المغربية هذه الأيام ومعها وسائل إعلام غربية وعربية موالية للمخزن بالمساعي الدّبلوماسية الحثيثة للرباط في الوساطة بين الفرقاء اللّيبيّين «على حد تعبيرهم».
إلى هنا قد يبدو الأمر عاديا لاسيما إذا خَلُصَت النّوايا، والشّعوب المغاربية قاطبة تتوق لتجسيد صُلح وتصالح فعلي صادق ومستدام بين الإخوة المتخاصمين في ليبيا بصرف النّظر عن هويّة الوسيط أو من قرَّب وجهات النّظر، ففي النّهاية أمن ليبيا من أمن الجزائر واستقرارها يعد شيئا إيجابيا لكل لدول المنطقة.
لكن ميعاد هذه المحادثات و»المسؤولون» الليبيون المدعوون إليها يثير الكثير من الشّبهات والشّكوك. ضف إلى ذلك التوظيف الإعلامي لبعض المصطلحات التقسيمية غير البريئة على غرار برلمان ليبيا شرق وليبيا غرب…وما مدى أهمية النّقاط المطروحة للنّقاش، والمتعلقة بالترشيح والتفاوض حول بعض المناصب، تشمل حاكم المصرف المركزي، والمدّعي العام ورؤساء هيئة الرّقابة الإدارية...وكأنّ ليبيا في مخاصمة إدارية بسيطة بينما جوهر الأزمة أعمق بكثير بشقّيها السياسي والأمني المتعلّق أساساً بتوحيد الجيش في مؤسّسة واحدة، ووقف الدّعم الخارجي للمليشيات المسلّحة والتّدخّلات الأجنبية بشكل عام لتوفير أجواء مناسبة تسمح بتنفيذ بنود اتفاق جنيف، وهذا ما لم يُطرح في المحادثات، وما يثير الرّيبة، كيف لمحادثات على هذا المستوى أن تجري في غياب رأس السّلطة التنفيذية أو على الأقل من يمثّلها على اعتبار الحكومة الليبية المؤقّتة تحوز على الاعتراف الدولي.
توقيت المحادثات يطرح علامات استفهام، ودوافع اختياره تحديداً وعلاقته بدعوة ألمانيا التحضير لـ «مؤتمر برلين 2»، حيث يبدو أنّ المخزن اختلطت عليه أوراق الصّحراء الغربية والمشكل الليبي، وإن صح التعبير هي محاولة مخزنية للضّغط على ألمانيا لعدم دعوتها له لمؤتمر «برلين الأول»، ودعمها للشّرعية الدولية فيما يتعلق بقضية الصّحراء الغربية، موقف لم يرق للمغرب كثيرا.
إنّ توظيف الملف الليبي وربطه بقضايا أخرى من قبل المخزن واستخدامه كورقة ضغط مع دول أخرى من شأنه أن يعرقل حل الأزمة الليبية، ويجعل من هذه الوساطة مسمومة مضارها أعظم من منافعها، إن كان لها منافع!