أثار بناء أحدهم لمسكن على شكل برج إيفل مصغّر، عاصفة من الانتقادات، وذهب بعضهم إلى أنّ شكل البناية يعدّ نوعا من التّمجيد للاستعمار، وقال آخرون إنّ «إيفل الصّغير» مستفزّ، بينما زايد فريق ثالث، ودعا صراحة إلى هدم البناية وتسويتها بالأرض، (انتقاما من الاستعمار)، في حين، حاول صاحب البناية أن يوضّح بأن المسألة فنيّة محضة، وأنّ «برج إيفل» لا يمثّل فرنسا المستعمرة، وإنّما سمته «العالميّة»، بحكم أنّه يحسب ضمن عجائب العالم السّبع.
ونرى أن العجائب العالمية المعروفة، ينبغي أن تحظى بإضافة «أعجوبة ثامنة»، وهذه تتعلّق باتفاق الجميع، منتقدين ومضادين للانتقاد، على الاحتكام إلى «العاطفة المحض»، والتّوجّه الأيديولوجي الخالص، كما هي العادة في كلّ النّقاشات، ذلك أن «قانون التّعمير» الذي كان ينبغي أن يكون الفيصل في الموضوع، لم يجد لنفسه مكانا في النّقاش، حتى كأنّه لم يكن شيئا مذكورا، فقد تابعنا آراء مختلفة، وبينها ما أدلى به الّذين هم المشرّعون، ومع ذلك لم يخطر لهم على بال استذكار القانون والتّذرع به، ولا المناقشة في ظلاله، وإنّما سارعوا - عوضا عن ذلك -إلى إذكاء الحميّة، وإثارة النّعرات، ودقّ نواقيس الأخطار المحدقة.
وليس يهمّنا كثيرا إن كانت البناية في شكل «إيفل مصغّر» أو «هرم مدوّر»، أو حتى «قطة بيضاء» أو «سلحفاة مكوّرة»، لأنّ النّقاش استعاد لنا سؤال جمالية البنايات، ومدى توافقها مع متطلّبات المعيشة. فالمعروف أن القانون يؤكّد على المساحات الخضراء، ويضع معايير صارمة للمحيط، لكّننا لم نسمع شيئا عن معيار جمالي محدّد، يسمح لنا بتجاوز أساليب البناء بـ»المكعّبات»، ولا عن تسهيل معيشة السكان، فالمواطن تعوّد على العيش في مكعّب لا يجد به مترا مربّعا لـ»الصلاة»، ولا مترين للتعامل مع أضحيته، بله عن مساحة لعابر سبيل يلجأ إليه، أو ضيف له يصل رحمه، وهذا يعني – بتحصيل حاصل – أن المشكلة ليست في بناية واحدة ولا في مجموع البنايات، وإنّما هي في طبيعة التّفكير في ذاته.. تفكير العقل المكعّب..