انشغل النّقاد في الأيام الأخيرة، بحكاية (ضربت في رأس) واحد من الكتبة، تذهب إلى أن سلالة النّقاد في بلادنا، لم (تنتج) سوى اسما واحدا أو اسمين، وقدّم صاحبنا رأيه (الحرّ بطبيعة الحال)، فتصدّى له من تصدّى، ورحّب من رحّب، وهناك الذي توسّط بين الفريقين، فرحّب وتصدّى في الوقت نفسه.. المهم، أنّ «النّقاش» انتهى على خير، كما هي عادته، واكتفي بـ»التّمدّد» على السّطح، دون أن يفكّر في استدراج الأفكار كي تمنحه الجديد، أو يمنحها الإضافة..
ولعل يكون واضحا أن نقاشاتنا تعوّدت على «السّطحيّة»، لأنّها لا تتأسّس على انشغال ينبغي تفكيكه، ولا همّ يقتضي سبلا لتهوينه، ولا حتى فكرة تائهة تبحث عن إضاءة، فالمسألة برمّتها، لا تتجاوز إثارة نعرة فلان، واستفزاز علاّن، ووضع فلان في مواجهة علاّن.. ثم يدخل الجميع معتركا من الكلامولوجيا، ينتهي بهم – كما هي العادة – إلى مراكمة بعض الضّغائن والأحقاد والبسمات الصفراء، يدّخرونها لـ»نقاش» مقبل..
هناك سبب آخر مباشر لـ»السّطحيّة»، وهو ما تشرحه الآراء نفسها، فهذه لا تتحرّى الإشكالية المطروحة للنّقاش، ولا تجد حاجة في مساءلتها، وإنّما تسارع إلى قراءة خارطة المشاركين في النّقاش، لأنّ هذه الخارطة هي التي تبني المواقف وتحدّد الرّؤية. وعلى هذا، يشترط في الرأي الذي ينتصر له المشارك، أن يكون موافقا لـ(أبناء الحومة)، وأعضاء الشّلّة، وليست «الفكرة» لتحظى بأدنى اهتمام، وقفت أم انبطحت، فهي - في كل الأحوال – حمّالة أوجه، وتلتوي بما يوافق القدرات البلاغيّة لكل خبير بالكلامولوجيا.
وليس لنا مع هذه الفارغات.. عفوا.. النّقاشات، سوى أن نتساءل إن كان سيشرق علينا يوم نتجاوز فيه (العصبيّة الشلّلية)، والنّظرة الدّونيّة، والتّفكير المسطّح، كي نرفع صرح الأدب، ونعلي هامة النّقد، ويكون لنا مكاننا تحت الشّمس..