جادل مالك بن نبي في مؤلفه الشّهير «شروط النهضة»، أنّ غنى المجتمع لا يقاس بكمية ما يملك من أشياء بل بمقدار ما فيه من أفكار. طرح بن نبي هذه الفرضية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في تشريحه لإشكالية: من أين ينطلق المعراج الحضاري والبناء التّنموي في عصر مجتمعات المعرفة؟ حيث ساد اعتقاد في ذلك الوقت أنّ تخلّف الدول المستقلة حديثا يعود لافتقارها لرؤوس الأموال الكافية للإقلاع الاقتصادي.
فنّد بن نبي في مختلف كتُبه هذا الطّرح، واستدلّ في ذلك بألمانيا إثر خروجها منهزمة ومدمّرة من الحرب العالمية الثانية، وبعد مضي عشرة سنوات فقط عادت كقوّة اقتصادية عظمى في أوروبا والعالم، والسبب - حسبه - يعود للفرد الألماني المشبّع بثقافة العمل الجاد والفاعلية الاجتماعية، رغم أنّ ألمانيا لم تكن تمتلك في ذلك الوقت ثروات طبيعية ولا أرصدة من الذهب.
إحدى المقولات التي شدّت انتباهي وعلقت بذهني مذ قرأتها عن أحد الكتّاب السوريّين، «أنّ مالك بن نبي جزائري وأقل الشعوب استفادة من فكره هم الجزائريّين أنفسهم».
أجزم أنّ فرضية بن نبي صحيحة، وكذلك رأي الكاتب السوري، فرغم الأموال الكبيرة التي جمعتها الجزائر من ريع المحروقات في العشرين سنة الأخيرة، إلا أن الإقلاع الاقتصادي الذي يصبو إليه الجميع لم يتحقّق. فالإشكال كما يبدو في الإنسان نفسه، كما أنّنا أمّة لا تحسن الاستفادة من مفكّريها، فبن نبي طرح هذه الأفكار والجزائر كانت تئنّ تحت وطأة الاستعمار، ونظرته الاستشرافية للإقلاع الاقتصادي لو أحسنا التعامل معها وتوظيفها في شكل نسق ثقافي واقتصادي متكامل كان من الممكن تجنّب الكثير من الأزمات التي عرفتها البلاد، لكن على العموم أن تصل متأخّرا خير من أن لا تصل أبدا، والوقت لا يزال متاحا لتدارك أخطاء الماضي.