لا أحد ينكر على التّعليم العالي أهميّته الاستراتيجيّة في المنظومة العامة للدّولة، فـ»الجامعة» هي التي تستخلص «الشّهد» من الورود التي تزهر في الابتدائي، وتينع في المتوسط، وتتفتّح في الثّانويّ، و»الجامعة» هي التي تدرس، وتبحث، وتكتشف، وتستشرف، وتضع الحلول لكلّ المعضلات الّتي قد تعترض الحياة العامة.
ولقد استخلصت الجامعة الجزائرية للإنسانية قاطبة، من كبار الباحثين، كثيرين ممّن ذاعت أخبار اكتشافاتهم، وانتشرت خلاصات فكرهم، وضاءت إسهاماتهم في الجهد الانسانيّ العالمي، عبر حقول البحث العلميّ، انسانيُّها وطبيعيُّها وتقنيُّها، وكثيرون منهم يعيشون بيننا على هامش الحياة، مع أن أسماءهم لها أنوارها المشرقة على كل أنحاء العالم، ولكنّنا لا نكاد نحسّ بوجودهم، إلا إذا تلقيّنا «اعترافا» بهم، ولا يكتسب هذا «الاعتراف» شرعيّته، إلا إذا جاء من الخارج بطبيعة الحال. وحتى إن عرفناهم، فإنّنا نحتفي بهم ساعة أو بعض ساعة، ثم نضعهم على رفّ النّسيان، ولا نتذكّرهم إلى عندما نحتاج إلى نفخ صدورنا ببعض «الفخر»، فنردّد أسماءهم بـ»اعتزاز» نهرق عليه أكواما من الصّيغ البلاغيّة..
وتواصل جامعتنا عملها في صمت، ونواصل التّعامل معها بالجفاء والنّكران الذي نختصّها به، فلا نجد حاجة في خبر مناقشة أطروحة، ولا نحسّ برغبة في مطالعة رسالة، وننتظر ذلك اليوم الجميل الّذي تتناقل فيه وكالات الأنباء خبر باحث جزائري تحصّل على جائزة كذا، أو حاضر بمؤسسة كيت، كي نحرّك آلة البلاغة، ونرتجل الفخريّات المعتّقة..
إنّ الذّخائر التي تحتفظ بها المكتبات الجامعيّة الجزائرية، رهنا للغبار، لن تنقص من قيمتها نظرةٌ دونيّةٌ أو أحكامٌ إطلاقيّة توصم بها الجامعة، ولكنّ الضّرر الذي يصيب الأمّة الغافلة عن جهود أبنائها، متعال عن الوصف بالكلمات، والحال اليوم، تستدعي الجهود الأكاديمية المنيرة كي تتبوّأ مكانتها، ويكون لها إسهامها الفاعل في خدمة الأمّة.