في زيارته إلى روندا، طلب الرّئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من الروانديين الصّفح عن فرنسا لدورها في الإبادة الجماعية في بلادهم عام 1994، التي قتل فيها نحو 800 ألف شخص من التوتسي والهوتو.
فرنسا الرّسمية وبناءً على دراسة أجرتها لجنة خبراء في التاريخ توصّلت إلى أنّ فرنسا في عهد الرّئيس الأسبق، فرانسوا ميتران، قد تحمّلت «مسؤولية ثقيلة وشاملة» عن الإبادة الجماعية لكنها لم تكن متواطئة! وقال تقرير الخبراء إنّ فرنسا كانت «غافلة» عن الاستعدادات للإبادة الجماعية لكنها غير متورّطة، هي فقط سمحت وتغاضت عن إبادة شعب بأكمله وهي اليوم تطلب الصّفح.
هذا الاعتراف الفرنسي المليء بمصطلحات غامضة مشبوه في مجمله ومسيّس، كيف لا وفرنسا قفزت على التاريخ والجغرافيا، وعن ماضيها الاستعماري الطويل في الجزائر، والذي امتد لـ 132 سنة من الاحتلال والاستيطان والقتل والتشريد؟
إنّ ما فعلته فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا يحتاج إلى أي لجنة خبراء، فشواهد الجريمة مازالت تروي الى اليوم ما فعلته جيوشها في ماي 1945 في قالمة، سطيف وخراطة، فلم يشهد التّاريخ الحديث جريمة إبادة مثل التي وقعت في هذه المناطق. في منطقة قالمة وحدها لا تزال أفران الجير للمعمّر «مرسال لافي» بمنطقة هيليوبوليس تروي هول ما وقع في تلك الجرائم.
في أحد الأيام جلستُ بداخلها لبرهة، وتخيّلتُ معاناة الجزائريّين وهم يحرقون أحياء في أفران تحوّل الحجر إلى جير، فما بالك بالبشر!
الغريب أنّ فرنسا بدلا من أن تعترف بتلك الجرائم أقرّت سنة 2005 قانونا لتمجيد استعمارها في دول شمال إفريقيا، وتدرسه دون خجل للطلاب، بينما كان عليها تجريم «مجدها السّابق»، ذلك أنّ أفران الجير مازالت بانتظارهم.
«نقلب الصّفحة ولا نمزّقها»، هذه العبارة التّاريخية للرّئيس الرّاحل هواري بومدين، ردّا على كلمة الرّئيس الفرنسي جيسكار دستان سنة 1975 أثناء زيارته للجزائر، تلخّص العلاقة مع فرنسا بماضيها الاستعماري، والأكيد أنّ فتح صفحة جديدة لا يمر إلاّ عبر اعتراف كامل ورسمي لفرنسا بكلّ جرائمها في الجزائر.