النّسق الاجتماعي يجب أن يكون مغلقا ومفتوحا في الوقت ذاته، فهو ينبغي أن يكون مغلقا من أجل صيانة النّظام الاجتماعي وهويّته، ويكون مفتوحا كي يستفيد من إسهامات المجتمعات الأخرى، ويتبنّى أفضل ما لديها..
هكذا قالها إدغار موران صريحة فصيحة، ولم يجد من يعارضه ولا من ينتقده، ولا حتى من يتّهمه بأنّه يقصد إلى «النّيل» من النّظام الاجتماعي، أو الانحراف به عن قيمه ومسلّماته، والعجيب، أن الذين صمتوا على موران، أو تقبّلوه (بسعة صدور) هم أنفسهم الذين تعوّدوا على العبوس والنّفور (والدّعاء بالويل والثّبور) كلما انبثقت الفكرة من حاضنتنا اللّغوية أو الجغرافيّة، فقد قال بها سعيد عيادي، وقال بها محمد أركون، وقال بها امحند تازروت، وقال بها كثيرون لم ينالوا سوى الألسنة الحداد تتداولهم بما يشقّ على النفوس تحمّله، بينما صارت الفكرة نفسها مقبولة ومستساغة و(حلوة) عندما صاغها موران..
قد يكون واضحا الآن، أن المشكلة العويصة التي نعيش ليست في انفتاح المجتمع وانغلاقه، ولا في سلم القيم وتراتبيّته، ولا حتى في طبيعة المواقف واختلافها، أو الإيديولوجيات وتنوّعها، والتوّجهات السّياسية واختلافاتها، فهذه جميعا يمكن أن تتفهم رؤية موران، وتناقشها، وتضيف إليها، بعيدا عن العصبية المقيتة، والتّخمينات والأوهام التي يصطنعها محترفو التّهجم على الفكر النّير كلما تحدّث بما لا تهوى أنفسهم..
لنقل إننا كان ينبغي أن نتعامل مع مقولة إدغار موران في زمن عيادي وأركون، فالحال اليوم تقتضي التّعامل مع «الإحساس بالنقص» الذي استقرّ في كثير من النفوس، و»الكبر» الذي استفحل، و»التّعالم» الذي استشرى، والمتناقضات التي صارت تطبع يومياتنا، أما الانفتاح والانغلاق وما بينهما، فهذه أسئلة تحتاج بعض الصبر