عاد الهدوء إلى غزة الجريحة التي دمّر الاحتلال بناها التّحتية، وقتل الأبرياء من أطفال، نساء وشيوخ، وحوّل الحياة فيها إلى جحيم، بالرّغم من أنّ بعض الخبراء الأجانب بدوا متخوّفين من أن تكون الهدنة هشّة وقصيرة الأجل، غير أنّه ومن جانب آخر هناك من ينظر إلى أحداث القصف الأخيرة التي تكبّد فيها الفلسطينيّون المزيد من الخسائر البشرية والمادية ومرارة البطش الوحشي، إلى أنّها نقطة تحوّل جذرية في تطوّر مسار القضية الفلسطينية، وفي صمود وكفاح الشّعب الفلسطيني لتحقيق المزيد من المكاسب والانتصارات، على العديد من الأصعدة محليا وعربيا وعالميا.
سجّل الفلسطينيّون مرّة أخرى مواقف مفصلية وصمودا صلبا في وجه المحتل، أكّدوا فيه استمرارهم في الدفاع عن أرضهم وعن مقدّساتهم، ولم يقتصر الأمر على غزة وحدها بل في الضفة والقدس ووسط «أراضي 48»، ونقل كل ذلك صورا ناصعة وحقيقة جلية للعالم الذي تعاطف وأيد القضية الفلسطينية العادلة التي تأثرت مكاسبها المحققة بسبب انطلاق قطار التطبيع العربي خلال الأشهر الأخيرة من نهاية عهدة الرئيس ترامب، لكن عاد صوت الشّعب الفلسطيني ليصر على مواصلة تحرير أرضه، ومنع مشاريع المحتل الاستيطانية وقلب صفحة الخذلان نحو إصرار على الصمود والمقاومة.
على ضوء المواقف وردود الفعل الإيجابية، جميع المؤشّرات تؤكّد أنّ الجيل الجديد من الأمريكيّين المنخرطين في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس بايدن، يختلف كثيرا عن الجيل الذي سبقهم، حيث يطلق عليهم بالتّقدميّين، علما أنّهم غيّروا من المعادلة السّابقة، بعد أن رفضوا واستنكروا بشدة ما اقترفه الكيان الصهيوني من جرائم بشعة ومقيتة في غزة، كما أبدوا استياءً كبيرا من التصعيد الجائر الذي يمارسه المحتل للاستيلاء على المزيد من المساكن والأراضي الفلسطينية، جيل ينظر إليه بأنّه لن يسير على نهج جيل الرئيس بايدن، وستكون قناعاته وخيارته مختلفة، حيث لن تلتزم أي صمت تجاه القضايا العادلة، ولن تسكت عن جرائم تعود الصهاينة على اقترافها من دون أي عقاب طيلة عقود طويلة.
إذن حتى الجيل الجديد من الفلسطينيّين يحمل سقفا عاليا من وهج التحرر وروح المقاومة، ولن يتخلى عن تحقيق حلم استرجاع أرضه وافتكاك حريته، فهل تنتصر الأجيال الجديدة للقضية الفلسطينية وتحدث المفارقة؟