لم يكد النّاس يفيقون من صدمة السّوق الرّمضانية وأهوالها، حتى عاجلتهم مؤسّسة «سيال» ببيان ينبئهم بأنّ حظّهم من «الماء» أصابه (النّحس)، ولقد قدّمت «سيال» حججا قويّة، وأسبابا منطقيّة، فالمسألة هنا ليست متعلّقة بـ «بارونات» معيّنين يحاصرون الحنفيات، كما كانت الحال مع (سيّدتنا) السّوق، وإنّما هو شحّ الأمطار، وغور الآبار، وتحوّل السّدود إلى قفار..
ولم يلبث بيان «سيال» إلاّ قليلا، بعد أن ألقى الرّعب في القلوب، حتى جاء بيان آخر يلغيه، ويعلن أنّ «برنامج ماء رمضان» لن يمسّه سوء، وأن التّوزيع سيتواصل (دون هوادة)، غير أنّنا لم نجد في البيان الثّاني حجّة تقوم ضد «الحجج المنطقية» التي جاء بها البيان الأول؛ لهذا، كان علينا أن نكتفي بـ (السّعادة والهناء) اللّتين أعلن عنهما البيان الثّاني..
وفي كلّ حال، سواء غاض الماء أم جاء، فإنّ البيانين معا، يتحدّثان في خلفيتهما، عن حال (الخبط عشواء) التي صارت علامة مسجّلة لعدد من القطاعات الخدماتية، وإذا كنّا - مع الوضع المائي - لا نعترض على شحّ الأمطار، لأنّ هذه تدخل في باب الأرزاق، فإنّنا نعترض على (عدم الأخذ بالأسباب) و(التّهاون في استشراف ما هو آت)، فقد لاحظ الجميع أنّ توزيع المياه، بالعاصمة، دخل في فوضى واسعة منذ مطلع العام الجاري، حين اكتشفت «سيال» (فجأة) أنّ أحياء عاصميّة عديدة صارت تستهلك أضعافا مضاعفة من الماء، دون أن تنتبه إلى أنّ هذه الأحياء نفسها، استقبلت الآلاف ممّن تحصّلوا على سكنات جديدة، وكان ينبغي لـ «سيال» أن تأخذ للأمر أسبابه حين وضعت أسس البنايات الجديدة قبل سنوات، ولا تكتفي بـ «الاندهاش» حين تلقي نظرة على عدّاداتها، لتكتشف (بالصّدفة) تضاعف كميات استهلاك الماء..
وفي كل حال، تبقى حال العاصمة أفضل وأكثر راحة، مقارنة بعواصم ولايات داخلية كثيرة، لا تحصل على الماء إلاّ مرّة كل ثلاثة أشهر، بله عن بلدياتها النّائية التي تصبر على العطش، ثم تتلقّى فواتير تتوشّح هي الأخرى بحجّة تسيل منطقا، تقول بصوت جهوري: (خلّص، من بعد ريكلامي)..