لن نختلف إذا قلنا إنّ أبعد مطامحنا من «التكنولوجيا» لا يتعدّى (كلّه على بعضه) فهم التّطبيقات التي تصلنا جاهزة من جهات لا نعرفها، فإذا اجتهدنا، وانتفخت أوداجنا اجتهادا، فإنّ جهودنا– في أحسن حالاتها – لن تتجاوز واجب «المحاكاة»، وهذا لا يحتاج إلى دليل، فهو يقدّم نفسه، في خاصة هواتفنا وعلى حواسيبنا، جهوريّ الصّوت واضح الصورة..
وبناء على هذا، ينبغي لنا الاعتراف بأن تحقيق الفتوح في عالم التكنولوجيا، لا يتمّ مطلقا بقرار نتّخذه، ولا بأموال نوفّرها، ولا حتى بالحفظ والتكرار، لأن التكنولوجيا – في أصلها - ليست أشياء نتداولها، بقدر ما هي «أفكار» تجتاحنا، وعالم الأفكار هذا مقتضاه سيرورة تاريخية واقعية كاملة، ولا يكتفي بالأمنيات كي يحقق أهدافه..
إنّ الأمم التي تهيمن اليوم على التقانات العليا، لم تقرّر بين ليلة وضحاها أن تنتقل إلى التقانة، ولكنها حركت دواليب العمل وفق مقتضيات مساراتها التاريخية. فالمعروف أن الإنسان بدأ مساره صيادا، ثم فلاحا، ثم صناعيا، وانتهى إلى التكنولوجيا بعد أن عركته صعوبات الحياة وعركها، وما يزال – بما هو إنسان – يتطلع إلى الإبداع والتّجاوز، فذلك هو دأبه.. وعلى هذا، يبدو المسار الذي يفرضه علينا التاريخ أكثر تعقيدا ممّا كان، فالأمر عندنا يقتضي معالجة دقيقة، ورؤية نافذة، وكثيرا من التّريث في تفضيل القطاعات بعضها على بعض؛ ذلك أن القطاعات العلمية والعملية معا، كلّها لها أهميتها في حياة الإنسان. ولهذا، ينبغي التعامل مع السيرورة التاريخية لأجل الانتقال إلى صف التكنولوجيا، بكل التعقيدات التي تفرضها، وفق منطق الفكر، وليس وفق منطق القرار والأموال الموفورة..
إن «الإبداع» في أبسط تعريفاته، هو القدرة على التّعامل مع المفاجئ والطارئ، وحاسّة الإبداع هذه لا تتحرك بمجرد النّية، فليس هناك من يصعد السّلم من أعلى درجاته، والمقتضى الآن ليس سوى جهد دائب، وعمل مخلص، تماما مثلما هي حال الدّنيا مع التكنولوجيا