وسط المراحل الصّعبة التي تمر بها الأمم، تتجلى بوارق الأمل لكل يائس أو منكسر، فالأزمات لا تعني النهاية، وهناك دول نهضت من ركام أزماتها رغم أن عجلتها التقدمية كانت متوقفة ولا أحد كان يتوقع يوما أن تنهض في زمن قياسي لتخرج من قاع أزماتها الكبرى إلى قمة النهضة والتقدم الحضاري المبهر.
في هذا الصدد، هناك نماذج تستلهم ويؤخذ منها روح العزيمة والإصرار وقوة التخطيط الإستراتيجي وفعالية الخطط التنموية، لبعث صورة أعمق عن واقعنا، فالنموذج الإسترشادي هو ما نفتقد إليه لدول مرت بنفس ظروفنا واستطاعت أن تعيد حساباتها، وتطلق حزمة إجراءات تنموية لترسو على بر التقدم والنماء والحضارة والإبداع والنجاح الاقتصادي والعلمي، التكنولوجي.
منذ خمسينيات القرن الماضي، بدأت أمم تخرج من سباتها وتراجع حساباتها التقدمية لتصنع لنفسها مساحة في هذا العالم، فسنغافورة الدولة المدينة التي تضاهي مساحتها (710 كلم مربع) الجزائر العاصمة، من دولة بدون موارد، بلاجيش ولا مستقبل، شعب جائع، يسكن بيوتا قصديرية، وسط فقر مدقع، وفساد إداري كبير، وأعراق متعددة من هنود وصينيين وملايو ومسلمين ومسيحيين وبوذيين.
اليوم هذه المدينة الدولة أصبحت شيئا آخر تماما، حيث تعتبر بشكل دائم من الدول العشر الأغنى في العالم، وتعتبر من أكثر الدول التي تحوز العملة الصعبة، ومن أفضل الدول في التعليم، فكيف نجحوا وسط هذه التحديات..؟
البرازيل كذلك من الدول التي مرت بتجربة نهضوية ملهمة، فالبلد الذي عاش تحت تقلبات الإنقلابات العسكرية، ثم الإنتقال للحكم المدني والوقوع في أزمات إقتصادية حادة، عاد من جديد للعالمية.
جاء لولا دا سيلفا وسط صراع حاد في بناء وتسيير الدولة الأهم والأكبر في أمريكا الجنوبية، لينطلق في بعث إصلاحات جذرية، من خلال التوسع في التصنيع، وتوزيع النمو الإقتصادي المرتفع، من خلال التركيز على الفقراء ودعمهم وتشجيع الإستثمار والتنمية، وتوزيع الثروة بشكل أكثر عدلا على الطبقات الدنيا والوسطى من ناحية أخرى.
النماذج النهضوية كثيرة، فمن شروق ماليزيا إلى بروز التنين الصيني إلى التحول الاقتصادي الكبير في كوريا الجنوبية، مرورا بنموذج ترميم الانكسارات والنهوض وسط الخراب في اليابان وألمانيا، وهي نماذج ملهمة تستحق أن ندرسها ونستفيد منها لبناء جزائر جديدة وقوية.