ككل سنة، يُحيي المسلمون بعد غد ليلة القدر التي خصّها الله تعالى بنفحات ربانية جعلتها خير من ألف شهر، من غنمها فاز فوزا عظيما، يتحرى فيها عباد الله الاستجابة والثبات على العبادة والطاعات، لها من الشأن العظيم حتى كانت غاية كل مسلم في العشر الأواخر من رمضان.
وككل عام، يجتمع الجزائريون في المساجد لإحياء الليلة المباركة بالصلاة والترتيل والدروس القرآنية، ليترجم الموروث الشعبي أهميتها وميزتها في تقاليدنا التي تعكس مكانتها الرفيعة، من خلال تخصيصها بإفطار يجمع كل أفراد العائلة، وتخضب فيها أيادي الفتيات بالحناء لتكون رمزا للفرح والسعادة والفأل الحسن.
وككل عام، ينسى هؤلاء المصلّين «المتهجدين بالأسحار» عند خروجهم من المسجد أن الإسلام معاملات وتعاملات، وأن الحمد فعل، وأن الخير سلوك وأن القلب السليم من غلُب في داخله بياض على سواد، فلا يُعقل أن يكون هذا حالنا ونحن نُحيي ليلة مباركة بكل هذا «الإخلاص».
ينقص «الإخلاص» -الشيفرة السرّية للتدّين وفاتحة الرضى والسعادة- الكثير من عباداتنا لأن أغلبنا إن لم نقل كلّنا لا يتعدى بياضه الناصع ملابسه التي يرتيدها، أما القلوب فتجدها «غُلُفٌ» بالحقد والحسد والجشع، مُنهكة عجزت عن الخروج من أسر الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء.
قلوب تحاول في كل مرّة العودة الى الله لكن وككل مرّة تخذلها الإرادة والعزيمة والسبب غياب «الإخلاص» عن كل ما نقوم به فإن كان الرّب واحد لا إله إلا هو، أصبح للكثير منا «ربّ» خاص سواء كان مال أو شخص أو منصب أو أي شيء آخر، فحتى الخير يفعله الكثير منا لوجه فلان أو علاّن وليس خالصا لوجه الله تعالى.
تصنُّع فارتباك فهَوَان، هذا هو حالنا اليوم كُثُر وملايين يجلسون في المساجد لكن القلوب الساكنة داخله قليلة وقليلة جدا، لا يكفي أن نبدع في إظهار التدّين والفرحة بالشهر الفضيل أو ليلة القدر لأنها مناسبات ربانية لا يمكن بأي حال من الأحوال تحويلها الى «رقم أعمال» يستثمر في «التدّين» ليُدر على صاحبه «الكثير من المال»؟؟.