ماذا تبقى لنا لننتظره في مجتمع يرفض الاعتراف بالحقيقة رغم أنها ابلغ من الكلام، لا يمكن بما كان تجاوزها ولا محوها لأنّها المرجع الذي يحدّد خطواتنا التي نخطوها واحدة تلو الأخرى نحو المستقبل. «الحقيقة» نعم ولا شيء آخر غيرها سيكون علامة فارقة بين الأمس واليوم، بين ماض ومستقبل تتجلى تفاصيله في حاضر فَقَدَ «إحداثياته» الإنسانية.
يُظهر المجتمع اليوم تفاصيل في مختلف العلاقات التي تربط بين افراده عن انسلاخ يكاد يكون كاملا عن القيم، ورفضٍ تام لما كان بالأمس القريب أساس بنيانه وقوته، ليختزل كل ذلك في كلمة واحدة هي «الفردانية» مترجمة في العامية «تخطي راسي» أو «كل واحد يتعلق من عرقوبو» أو، أو، حتى تحولت النواة الأولى له الى مجرد افراد يجمعهم منزل و»دفتر عائلة» اثبت «إداريا» أنهم «عائلة أو اسرة «واحدة»؟؟.
مع حلول الشهر الفضيل يبدو جليا ان «الوازع» الديني لم يعد كافيا لملمة ما تبقى من اساسات المجتمع، اللهم الا إذا حدثت «صحوة» إنسانية يعود فيها الجزائري الى معالم وحدته، فلن يكون كافيا من الان فصاعدا ترديد الكلمات الرنّانة التي تتغنى بماض صنعه رجال «صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، لأننا أمام كارثة اجتماعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فعندما توكل مهمة تعليم مبادئ الدين والوطنية لغير أهلها فإنّنا أمام صناعة نموذج «متحور» من مجتمع لن يكون بأي حال من الأحوال شبيها او امتدادا لسابقه.
غالبا ما يكون الشهر الفضيل سببا مباشرا في تعرية تدين مصطنع وأخلاق مهلهلة يتحكم بها سعر «الصرف» في سوق يتحكم بها قانون الغاب حيث البقاء للأقوى، ففي كل يوم يمر نتأكد اننا في زمن «تلد فيه الأمة ربتها».
في زمن أوجدت «الجندرة» فيه جنسا ثالثا يكاد يسيطر على كل شيء في العالم، في زمن ساهمت عوامل «التعرية» الزمنية من ظهور مجتمع يحاول تغيير مصيره المحتوم بالتوجه الى «الهاوية»، علينا أن نعي أن مشروع بناء مجتمع يحتاج إلى أكثر من التنظير في بلاتوهات القنوات التلفزيونية.