عندما يختزل الزمن في لحظة يجد مريض الزهايمر نفسه بعيدا عن كل الأبعاد الإنسانية، فلن يكون «الأنا» نفسه لأنه وبكل بساطة فقَد مرجعياته الاجتماعية، فأصبح بسبب حالة مرضية اصطلح على تسميتها بـ «الزهايمر» سابحا في العدم الكل بالنسبة له لا أحد، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تذكر شيء عن ماض مضى بلا عودة وحاضر بلا معالم ومستقبل مجهول ومستحيل بلا ماضٍ ولا حاضر يصنعه.
الزهايمر مرض يجعل صاحبه بلا وجود له عالمه الخاص الذي لا يمكن لأي شخص معرفة تفاصيله، ورغم التطوّر العلمي والطبّي المسجل في العالم أجمع بقي عاجزا أمام ذاكرة مُحيت وكأنها لم تكن يوما، ليعيش صاحبها أسير زمن لا مكان له فيه، تساوى فيه كل شيء لا يعرف عنه سوى اللّحظة التي لا يعيها، ليكون إنسانا من نوع آخر مدركاته العقلية بعيدة عن معلمي الزمان والمكان.
الزهايمر، رحلة العودة إلى نقطة الصفر، إلى اللّحظة التي يخرج فيها الانسان ضعيفا عاجزا عن فعل وفهم أي شيء، يعود كما كان رضيعا يحتاج إلى من يطعمه، يُنظفه يتحدّث إليه رغم جهله لما يقوله له، بحاجة إلى إنسان يتساوى في مسؤولياته مع الأم التي لا تترك رضيعها في أي وقت.
المرض، حالة اغتراب من نوع خاص جدا تكون فيها الروح غريبة حتى عن الجسد الذي كان وعاءها ومسكنها طوال عقود من الزمن، ليبقى بذلك تفاصيل نفسه المتعبة بخلايا راهنت على الاستمرار بعيدا عن حياة تفاصيلها مرتبطة بالآخر.
الزهايمر مرض يرفض صاحبه دون وعي منه الاعتراف بمعادلة «الأنا» و «الآخر»، بل حتى التكليف يرفع عنه فلا هو معني بصلاة أو صيام أو حج، لأنه وبكل بساطة غير مسؤول، في الشهر الفضيل يجلس هذا المريض يتناول وجباته العادية بكل أريحية ليروي لجليسه روايات اختلط فيها الحابل بالنابل، لكنه يؤكد في كل مرّة أنه صائم ينتظر موعد الآذان ليفطر.