عادة ما يتردّد في الخطاب الإعلامي، عموما، الحديث عن ضرورة مواجهة مدّ العولمة، والتّسلح بالتقنيات الجديدة من أجل ضمان مكانة في العالم الحديث. وعادة ما يصرّ هذا الخطاب على ضرورة الإعداد الجيّد والعمل المنهجي واعتماد عدد من الإجراءات التي ينبغي الالتزام بها في عالم يسارع خطوه نحو تعقيد غير مسبوق...
وقد يكون واضحا أن هذا الخطاب نبيل في مضمونه، طيّب في طويّته، ولكنه – بصراحة – ساذج في رؤيته، قاصر في تصوّره، لا يتجاوز لهجة التحذير التي تتردّد في كل موسم دون أن تنتج ما ينفع الناس في عولمتهم التي أقبلوا عليها، أو أقبلت عليهم، حتى إنه صار أشبه بالاحتفاليات الكرنفالية التي تتواتر كل عام ولا تضيف شيئا غير متعة الفرجة، ذلك أن هذا الخطاب، لمن ألقى السمع، إنّما هو خطاب يعود إلى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، ولنقل إنه خطاب تحمّله عمل ألفين توفلر الموسوم بعنوان «صدمة المستقبل»، وهذا كتاب «حرثه» الناس واستوعبوه منذ سنة 1959، واتخذوا لقراءاته ما ينبغي أن يجنّبهم «الصّدمة» ويقيهم «الغمّة»، حتى إذا استقرت العولمة وفضّ السوق وطار الحمام، جاء خطابنا الإعلامي يحذر من الماضي متوهّما أنه ينظر إلى المستقبل...
ولعل يكون مثل ما وصفنا آنفا، ما يُروى عن الحاج امحمد العنقا حين تحدّى وعكة صحيّة أصابته، وتحمّل عناء إقامة حفل، وكان لشدّة ألمه يتجاوز النّوتة والنوتتين بين حين وآخر... وسار الحفل إلى أن قاربت السّاعة منتصف الليل، فوقف واحد من المتفرجين مزهوّا يريد أن يبلّغ من حوله بأنه تفطّن إلى سقطات العنقا، فقال بصوت مرتفع: يا الحاج... فاقوا...
ولم ينزعج العنقا، وإنّما ردّ عليه بهدوء ورع: يا ولْدي... اللّي فاقوا راحوا على التّاسعة...
طبعا، هذه ليست حال الدّنيا، هي صدمة مستقبل...