يظل بشكل مستمر شرف النضال تاجا على رؤوس أصحابه يرتقون فيه وبه لمبادئهم وينتصرون في معاركه بكل روح رياضية، تكون فيها الغلبة للعقل والأخلاق ويسود فيها الشرف قبل كل شيء. فالمتابع لنماذج المعارضة في العالم يدرك، بلا شك، أن في كل اختلاف رحمة وبعد حضاري، يتجاوز فيه العقلاء سفاسف الأمور كلما احتد النقاش وزاد الاختلاف وبلغ السيل الزبى، خاصة عندما يتم الاختلاف على مصالح الأمة والوطن.
في بلدنا لم تتعلم بعض أطياف «المعارضة الإستعراضية» فن الاختلاف المفيد، الذي يجعلنا نغضب بحكمة، ونناقش بشرف، ونترفع بحنكة، عن التناكف في الأتراح والأفراح، ونجعل هاته المناسبات فرصة لإظهار نبل الفرسان، أمام هول المآسي ورمزيتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بفقدان رجل نضال ووطنية مثل علي يحي عبد النور، رحمة الله عليه.
مؤسف ما يحدث من تفشي «أخلاق» الكراهية والسب والشتم في العالم الواقعي والافتراضي وهو ما يشي بحجم مأساة قيم حادة، تسيء لكل قضية نبيلة وعادلة، من أولئك الذين أتخموا أسماعنا بتعابير الديموقراطية والحرية دون أن يتمظهروا في هاته السبل، قولا وفعلا وفق نبل معانيها، حيث يقول عنهم غاندي: «يجب أن تكون أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم».
ليعبر في زاوية أخرى، على أن «الإختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلّا لكنت أنا (غاندي) وزوجتي من ألد الأعداء». ليتحدث في ذات الصدد، عن كل من يعتقد صوابية وجهة نظره «ما أفضل أن يخرس المرء عن ذكر الحقيقة، إن لم ينطقها بلطف»، ويسقط هذا القول بقوة على أولئك المهيجين، حيث يصفهم فيلسوف نضال اللاّعنف «الغضب والتعصب هم أعداء الفهم الصحيح».
قطعا لا يمكن احترام نضال أو وجهة نظر سياسية، تكسر قواعد الأخلاق والشرف وتنزوي قبالة التهييج والتطاول على الناس، مهما بلغ حجم الكراهية والنبذ تجاههم؛ فموسى عليه السلام أمره ربّ العالمين أن يخاطب أشد أعدائه وهو قادر أن يفتك به بقوله تعالى: (فقولا له قولا ليّناً لعله يتذكر أو يخشى)، وفي ذلك ذكرى لأولي الألباب.