في نهاية المطاف لم يحضر جنازة فنانة راحلة من جيوش المعزّين في فايسبوك، غير عدد محدود جدا من العائلة ومن يؤمنون بأن في الجنازة أجر يقتطف..
الملاحظة لا تعني جنازة الراحلة، بقدر ما تعني الكم الهائل من تفاعل الجزائريين في منصات التواصل الاجتماعي، مع أي شيء، وهو تفاعل ينقلب إلى صفر في الواقع!
رأينا هذا مع حملات «خلّيها تصدّي»، التي انطلقت في فايسبوك، وما جاوره من مواقع تواصل، وعوض بوار سيارات كان يستوردها رجال أعمال، عدد منهم في السجون بتهم فساد، حدث العكس تماما مما كان مرجوا من حملات تحسيسية وحملات مقاطعة السيارات الجديدة، بما فيه خفض الأسعار.
من يتذكر هذه الحملة التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بكم هائل من الهيجان والرفض، في الخيال، لا في الواقع.. يتذكر حملات سابقة عن التبذير في أكثر مظاهره المثيرة للقلق: تبذير الخبز في رمضان وغيره من شهور السنة، تبذير المياه الذي أوصلنا إلى شُحّها ثم انقطاعها، ليس في مناطق الظل، بل في المدن الكبرى، التي تعودت على حنفيات كريمة، تفتح ولا يُغلق لها «روبيني»!
خلاصة القول، إن التفاعل الذي يبديه عامة الناس في الفضاء الأزرق، لا يتعدى ضغطة «جام».. أو «متضامن»، التي أضافها مارك زوكربورغ لعابدي فايسبوك في كل الأوقات، وحذفها من يوميات كثير من الجزائريين، الذين أبهروا القاصي والداني بقدرتهم العجيبة على التضامن في أوقات الشدة، وفي الحجر الصحي.
هل نشهد تحولات عميقة في البنية السوسيوثقافية والبرمجة الذهنية التي يتعرض لها كثيرون، بما تزرعه التكنولوجيات الحديثة فيهم، وبعضهم لا يستطيع الابتعاد على فايسبوك، وغيره، بحثا عن واقع حقيقي، وليس «صور من الواقع» مثلما ينقلها البعض، ويتناقلها الملايين، دون حاجة للتثبت مما يقال ومما يُزرع في الرؤوس بكثير من الغث، وقليل مما يسمن ويغني من جوع.
في نهاية المطاف، «مبروك عليك» و»الله يرحمو» الفايسبوكية تشطب المشاركة الواقعية وصلة الرحم، والتضامن أوقات الحزن، من قاموس من بدأوا يستلذون الافتراضي، يعرفون الليل، وفي النهار نيامُ..