رويدا رويدا وسنة بعد سنة تفقد الأم مكانتها في الأسرة والمجتمع على اعتبار أنّها ركيزة البيت وأساسه المتين والشمس التي تدور حولها الكواكب، وتحوّلت في العشرية الأخيرة إلى مجرّد عبء ومسؤولية إضافية لأبناء استقالوا بشكل جماعي من أي رابط معنوي يجعلهم ملزمين برعايتها والاهتمام بها.
لن نستثني من ذلك هؤلاء الذين «يغرسون» رؤوسهم في المصاحف كل يوم، ولا هؤلاء الذين «يتصنّعون» الصّلاح والطيبة، فمن يبحث عن الجنّة سيجدها أمامه تحت قدمي والدته، لن يكلّفه فتح بابها مالا ولا عناء التنقل، لأنّ الجنّة التي يتعبّدون الله من أجلها هي فقط تحت قدمي أمّ تحوّلت مع مرور الوقت إلى «جارة» داخل بيتها.
الغريب في الأمر أنّ تلك المرأة «الوالدة» لم تبلغ مكانة الأم التي وُضعت الجنة تحت قدميها، ولا مكانة الجار الذي قال عنه جبريل أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم «كاد أن يورثه»، لا هذه ولا تلك بل أصبحت تصنف في خانة «المنتهي الصلاحية»، لذلك غالبا ما يتم التخلص منها سواء بـ «رميها» في دار «العجزة» أو بوضعها على الهامش في المقاعد الاحتياطية للعبة «الحياة»، مع فارق جوهري في أن اللاعب الاحتياطي مشاركته في لعب المباراة ممكنة، أما «هي» فتبقى هناك حتى يأذن الله لملك الموت بسحب روحها.
في تلك اللحظة يتذكّر «الأبناء» أنّ هذه السيدة المستبعدة قصرا عن حياتهم هي «أمّهم؟؟» التي لا يضاهيها أحد، يذرفون دموعا أظن أنها لا تعدو أن تكون دموع «تماسيح» وحاشا التمساح أن يكون مثلهم، يجلسون يبكون «أُمّا»، بالرغم من أنهم من أعدموها يوم استدرجوها إلى «قبو» النسيان، هم من نفّذوا حكم «الإزالة» من حياتهم يوم وجّهوا ملف «قضيتها» على «زوجاتهم» لتصدرنّ الحكم النهائي فيها بأن تخرج من حياة أزواجهن (أبنائها) لأنّ المنزل لا يتحمل وجود «ملكتين».
لكنهم في المقابل يتمسّكون بخارطة كنز مفقود قيل لهم إنّهم سيجدونه إن تتبّعوا المسار المرسوم عيها، متناسين أنها خريطة كنز فُقِد يوم «استباحوا» أمّهم لتطرد «شرّ» طردة من حياتهم.