انطلق شهر التراث، أمسِ، رافعا شعار «التثمين الاقتصادي للتراث الثقافي».. شعار ينمّ عن رغبة في القطيعة مع صورة نمطية سائدة عن الثقافة «التي تستهلك الموارد ولا تنتج الثروة بمعناها الاقتصادي».
ولكن هذا الطرح لا ينبغي أن يغفل نقطتين أساسيتين: أولاهما تتعلّق بعامل محوري في هذه المشاريع.. فسواءً قلنا «المواطن» بالمفهوم السياسي، أو «الفرد» بالمفهوم الاجتماعي، أو «الزبون»/ «المستهلك» بالمفهوم الاقتصادي، فإن هذا الأخير، أي الإنسان، يبقى محور أيّ عملية من هذا القبيل.
كنّا في مقال سابق قد تحدثنا عن «دورة التراث»، التي اقترحها الأكاديمي والمؤرخ العمراني الإنكليزي «سايمون ثيرلي»، وهو تصور يهدف إلى المساعدة على شرح عملية دمج الثقافة في حياة الناس.
تبدأ «دورة التراث» بمحطة أولى هي الفهم، وحينما نفهم التراث يكون بإمكاننا أن نبدأ في تقديره، وهي المحطة الثانية: التقدير أو معرفة القيمة، التي بفضلها سنشعر برغبة في الاهتمام بالتراث، وهي المحطة الثالثة.
هذا الاهتمام سيساعدنا على الاستمتاع بالتراث الثقافي، وببلوغ المتعة نكون قد بلغنا المحطة الرابعة، التي بدورها ستعود بنا إلى المحطة الأولى في الدورة وهي الفهم، حيث كلما زادت المتعة زادت رغبتنا في تعلّم المزيد، وهكذا دواليك... ومن هذه المحطات الأربعة، تتشكل دورة التراث الثقافي وتواصل دورانها.
ممّا نلاحظه في هذه الدورة، أنها تتمحور حول «الإدراك»، وأن كلّ محطة منها هي حلقة في سلسلة العملية الإدراكية، التي يختصّ بها الإنسان.. إذن، فالإنسان هو محور أي استراتيجية.. ونجاح أيّ مشروع، سواءً تعلّق بالتراث، أو الثقافة، أو الاقتصاد، أو حتّى بناء الدولة، هو رهينة الاستثمار في الفرد، أو المواطن، أو بكل بساطة: الاستثمار في الإنسان.
قلنا في البداية، إنه لا ينبغي إغفال نقطتين أساسيتين، أولاهما الإنسان.. أما النقطة الثانية فهي تعريفنا لـ»التراث».. وتلك قصّة أخرى..