في بعض الأحيان أحسد مريض الزهايمر عدم تواصله مع محيطه بسبب حالة التهاوي الخطير للأخلاق، حيث أفقد المجتمع معاني الإنسانية ليركن إلى قاعدة «الغاية تبرّر الوسيلة» في انقلاب غير معلن على الفضيلة والأخلاق والانتماء الإنساني الذي خصّ به الله تعالى البشرية دونا عن باقي خلقه لتكون المغفرة ترسيخ واضح وجلّي لطريق العودة إلى الفضيلة.
لن تخرج المواسم الربانية عن هذا السياق، فغالبا ما تؤدي دورا مهما في ترسيخ العودة من الضلالة إلى الهدى ومن حالة الاغتراب الروحي إلى السكينة والطمأنينة، لذلك جعل الله تعالى رمضان شهرا للتوبة والغفران تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنّم، تصفد فيه الشياطين ليبقى المسلم مع نفسه يتفقّد فيها ما يجب تغييره حتى تكون عودته إلى الله بلا رجوع إلى أخلاق أضاع فيها طريقه إلى الله.
ليكون بذلك الشهر الفضيل بمثابة الفرصة التي تضاعف الحسنات ووقتًا إضافيا يمنحه الله تعالى لمن يحب من عباده ليعود إليه، لكن في كل مرة تطغى النفس البشرية وتفوز تلك «الأمارة بالسوء» في «تبرئة» واضحة للشياطين المصفدة بالأغلال، ليظهر جليا أن الإنسان عدو نفسه وإلا كيف نبرّر الجشع المسيطر على جميع تعاملاتنا المختلفة، فحتى علاقاتنا الاجتماعية تحوّلت إلى معادلات رياضية تحدّد أرقامها مقدار الربح والخسارة، لينتقل الإنسان - في غفلة منه - من السمو الروحاني إلى الطغيان المادي على كل شيء.
الغريب أن العبادات أيضا تحوّلت إلى مجرد حسابات رياضية يقوم بها المسلم ليصل إلى تكلفة ما يؤديه من عبادات يومية وسنوية، وكأني به يجمع فواتير أعماله ليعرضها على لله تعالى يوم وقوفه بين يديه، أصبح اليوم الذكر من تسبيح وتكبير وحمد وحوقلة مجرد رقم يخزنه المسلم في ذاكرته ليثبت لنفسه أنه يقوم بواجباته الدينية على أكمل وجه.
حقيقة أن نظام حساب الحسنات موجود في القرآن والسنة كالحسنة بعشر أمثالها أو سبعمائة ضعف أو أضعافا مضافة، لكن أن تسبق العمليات الحسابية أي عمل يقوم به المسلم أمر غير معقول، فوضع غضب الله تعالى أو رضاه في أول درجة هو الأولى لأنه المعيار الأول لأعمالنا.