بعد سلسلة تقارير مكثفة استحضرت فيها نفس الأسلوب ونفس التوظيف الضيق لبعض المحطات التاريخية، اختتمت بعض العناوين الفرنسية حملتها على الجزائر، بأن «باريس تريد التهدئة».
كان ذلك، الأسبوع الماضي، على خلفية تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة، بـ «طلب من الجزائر»، بينما لم تكن هناك سوابق علنية توحي باندلاع ما اصطلح عليه «أزمة جديدة» بين البلدين.
غير أن بعض الصحف المعروفة بكونها الدرع الأول للدبلوماسية الفرنسية، وحاملة لواء الإيديولوجية الملوثة باستعلاء الماضي المشين، أشعلت شرارة الحقد، بتوظيف متشابك لعديد الملفات، في مسعى «مساومة» مكتمل الأركان.
لم تقدر هذه المنابر، على الإتيان بمعلومات جديدة، غير تلك التي أعلنتها الحكومة الفرنسية وبعض المصادر الدبلوماسية، عن أسباب تأجيل انعقاد اللجنة العليا المشتركة، كجائحة كورونا وضعف مستوى التمثيل وأن التأجيل جاء بطلب من الجزائر.
ومع ذلك، مضت في حملة غاضبة استحضرت فيها نفس النمط التقليدي في التعاطي مع العلاقات الثنائية، باستحضار أسطوانة رهبان تيبحيرين، وتناول الشأن الداخلي الوطني من زاوية المرحلة الانتقالية وطبيعة نظام الحكم، وربطها ولو بشكل غير مفهوم بملف الذاكرة.
تم تناول كل هذه المواضيع في آن واحد وفي خلط غير منسجم، مثلما حدث ويحدث دائما. وكأن بمن يوضب هذه المواد التحريرية، يتوهم أن استغلال القصاصات الرثة كفيل بـ»ليّ الذراع»، أو «إحراج» بلد بأكمله، بينما يقوم في الأصل باستنفار طاقم كامل في إعادة استهلاك واجترار.
منطقيا، لا يمكن لقرار «تأجيل» اجتماع ثنائي إلى وقت لاحق، أن يثير كل هذا الجهد لمهاجمة الجزائر. ولكن يمكن تفهم ردة الفعل تلك، مادام في فرنسا من لا يريد أن يرى أو يسمع بأن الجزائر تقول «لا»... وبصوت عال.
ومادام بين الفرنسيين من يقول في 2021، إن «لبلاده الحق في بترول الجزائر لأنها هي من اكتشفته»، فلا غرابة أن يصبح حاملو أحقاد الماضي مثل الثور الهائج في محل خزف، عندما يستحضر الجيش الجزائري ذكرى شهداء الثورة بإجلال في كل مناسبة، وعندما ترفض الجزائر أن تؤدي دور المناول في أزمات الساحل الإفريقي وألا تعلق على خطوات رمزية لا ترقى إلى أدنى طلباتها في ملف الذاكرة، وفوق هذا كله أنها باتت حصينة أمام أساليب المساومة والابتزاز.