فقدَ الشّهر الفضيل الكثير من عاداته وتقاليده الاجتماعية المرسّخة منذ قرون من الزمن بسبب الروح الانعزالية والفردانية المسيطرة على الكثير من الأشخاص، الذين أصبحوا يفضلون البقاء في إطار الأسرة النواة عوض العائلة الكبيرة، ما يمثل تحدٍ للفطرة البشرية في كون الانسان اجتماعي بطبعه.
وبالرغم من حالة الاغتراب الروحي، إلا انه يُبقي امل العودة الى الأصل، الذي يمتد فيه الفرد الى جذوره من أب وجدّ، أمّ وجدّة، أعمام وأخوال يمثل اجتماعهم البعد الجيني والتاريخي للفرد، ما يضع عليه مسؤولية المحافظة على امتداد عائلة استطاعت على مدى قرون متعاقبة ورغم محاولات الاستعمار «التغريبية» المحافظة على هويتها وامتدادها التاريخي.
وغالبا ما يكون البعد الإنساني عاملا محوريا وفاصلا في بناء شخصية الفرد منذ نعومة أظافره، فلا يكفي الطفل الرعاية المادية من مأكل ومشرب بل أيضا يحتاج الى رعاية معنوية ترتكز على صناعة رجلٍ يعيش استمرارية شعبٍ على مستوى عائلته ابتداء من الاب ووصولا الى الأجداد، ولعله السبب الذي جعل المستعمر يحاول كسر الرابط «التاريخي» للجزائري مع أجداده من خلال تغييره لألقاب العائلات الجزائرية، حيث فصلت الفرد عن انتمائه الاجتماعي وزخمه التاريخي.
حالة «التِيه» راجعة الى تكسير الرابطة الاجتماعية بين مختلف افراد العائلة حتى تحول «اللقب» أو الانتماء العائلي الى عبءٍ لدى الكثير من الافراد، لذلك معظمهم لجأوا الى اختزال الرابط الاجتماعي للعائلة الى «جنازة» أو «زفاف»، ولعله السبب في فقدان صلة الرحم لقوتها وكل ما يترتب عنها من سلوكيات عند المحافظة عليها مثل التكافل والتضامن والمواساة، فاليوم يكتفي الفرد برسالة يرسلها عبر «ميسنجر» أو «الواتساب» ليشعر بالرضى اتجاه اقاربه.
حالة الاشباع العاطفي تلك رغم زيفها تحولت في السنوات الأخيرة الى عادة حلّت محل الزيارات العائلية والسهرات الرمضانية التي كانت تعطي البيوت في رمضان بهجة وسعادة، ليحل محلها عائلة افتراضية تغلب عليها اللون «الأزرق» كسرت قوّته وشدته الانتماء للوطن، للمجتمع، للعائلة والأسرة النواة التي انفصلت ذراتها لتصبح غرفة موصدة بابُها على أحد أفرادها السابح في عالم الأنترنت.