ما جرى في حقل البريد جرّاء إضراب أعوان المراكز بدون سابق إنذار، مهما كانت طبيعة المطالب، أمر بعيد تماما عن المرفق العام وهوية الموظف العمومي الذي يفترض أنه مغاير للآخرين.
يقول المثل «محقورتي يا جارتي» وهو ينطبق على مشهد «البوسطا» في زمن الرقمنة، حيث يؤخذ الزبون على غفلة رهينة في مؤسسة تعدّ زبائنها بالملايين، يقدمون مقابل عن كل خدمة، مهما كانت صغيرة، حتى المتقاعد البسيط لما يستظهر حسابه يدفع ولو لم تصب المنحة.
إذا كانت هناك مشاكل حقيقة داخل هذا المرفق، لا يصح أن تعالج بإقحام المواطنين وإخضاعهم عنوة للأمر الواقع، خاصة في شهر مثل رمضان عودنا الرحمة والتكافل وتغليب المصلحة العامة على الأنا، سبب كل التراكمات السلبية التي يمكن تجاوز كثير منها بالحوار وروح المسؤولية.
هل يحق لموظف، مهما كانت سلطته، أن يُضْرِب دون التزام قواعد الإضراب ومعايير الاحتجاج؟، بالطبع لا يمكن ذلك في مؤسسات لها تاريخ، بل ترتبط بمسار المجتمع، كأحد معالمه الكبرى، التي تذوب فيها الأنانية وتسمو الخدمة.
تساؤُلات تطرح عن الدوافع الحقيقية واختيار الوقت، بينما المواطن ومن حوله الاستقرار هو المستهدف، لا يجد من ينصفه أو يتفهم متاعبه مع القدرة الشرائية التي تلتهما أسواق جوارية خارج السيطرة تلهب جيوب زائريها، يشتكي منها الموظف المضرب نفسه.
بالإمكان تفادي كل هذا الهرج والمرج، زادته وسائل التواصل الاجتماعي تعقيدا، في وقت الحاجة فيه للهدوء لتعزيز السكينة بما يساعد على تحريك دواليب المجتمع الاقتصادية منها خاصة، وذلك بتحكيم القانون لينال كل ذي حق حقه وتكريس الحوار الاجتماعي السليم، وتواجد المسؤولين في الميدان، قبل أي أزمة، تؤدي مضاعفاتها إلى الأسوإ.
مرفق كالبريد كان مرجعا في المهنية، قبل أن تحوم حوله مشاريع خوصصة من صنف نهب المال العام ويتسلل إليها، في سنوات مضت، فساد سرقة طرود وإتلاف رسائل وتلاعب بحسابات، يمكن أن يكون أفضل إذا أعيد إلى السكة وكسر مراكز نفوذ أيّا كانت.