أبانت قضية الطفل شتوان عن عقلية سكنت على مرّ عقود من الزمن دهاليز المجتمع المظلمة، لا تظهر للعيان إلا في حالة ما إذا أثيرت قضية «شرف». فبينما استبيح دم المرأة وعُقل رباطها بلطخة سوداء على ثياب عفتها وطهارتها، استباح البعض هيبة الدولة وشرفها في سيناريو «مهلهل»، فشل أصحابه في إقناع المجتمع الجزائري بالحجة والدليل بانتهاك شرف طفل قاصر.
وفي وقت كان ينتظر فيه تتويج حراك «الابتسامة» بجائزة نوبل للسلام، وجد نفسه في قضية «هتك عرض»، حاول كاتبو تفاصيلها وضع الدولة في حرج «الاعتداء على طفل بالفعل المخل بالحياء»، ليختزلوا بذلك سنتين من السلمية في «قضية شرف»، أُريد لها أن تكون شرارة نار «حمية» الجزائريين ليخرجوا في «هبّة واحدة» مدافعين عن الطفل القاصر؟!
لكن النتيجة، ورغم جولات «الإحماء» التي خاضتها بعض الأطراف، لم تصل القضية المفتعلة إلى النتيجة المرجوة، بل أفقدت الكثير من الأسماء «الـ» تعريفها لتتحول إلى نكرة، وضعت نفسها محل تساؤل واحد أوحد هو لماذا الانتقال من حراك الشارع إلى «حراك الفعل المخل بالحياء».
لا يعقل أن يكون هذا السلوك غير المدروس وغير المؤسس حجر لبنة لمشروع دولة، فلا يمكن قبول التهاوي بالحديث السياسي من التأسيس لديمقراطية حقيقية إلى ديمقراطية «الفعل المخل بالحياء»، لأنه اعتداء صارخ على حرية الرأي والتوجه والاختيار، فمن ينادي بحرية التعبير لا يمكنه اعتماد أسلوب الابتزاز العاطفي لربح مساندة عدد أكبر من الجزائريين.
الغريب، أنها عقلية استفحلت في مجتمعنا، فكل شخص لا يملك القدرة على الوقوف في وجه غريمه، يكسره بـ «قضية شرف»، سواء بالطعن في شرف أخته أو زوجته أو أمه، أو بتوجيه تهمة الاعتداء والفعل المخل بالحياء له، ولنا في كثير من الرجال كسروا ونساء قتلن بسبب تهم ملفقة أشهرها من لا رجولة لهم (نقصد هنا الأخلاق وليس الجنس) كانت بمثابة سهام أصابتهم في مقتل.
أعتقد أننا اليوم أمام رهان مجتمع تبنى قواعده على أساس الرقي الأخلاقي والتحضر، بعيدا عن استصغار الفرد إلى درجة ربط شرفه بجزء من جسده، لأن الشرف أكبر من أن تستطيع «عمليات الترقيع» إعادته لمن فقده.