لم يعد خفّيا أن الجهود الدولية لحل الأزمة الأمنية في مالي، باتت تثير الشكوك والمخاوف حول مساع القوى الغربية عقب الاستمرار في ضخّ المزيد من الجنود والقوّات الأجنبية في هذا البلد الذي يفترض أنه بدأ يخرج من عنق أزمة طالت المشهد العام لقرابة عقد في عهد الرئيس السابق إبراهيم ابوبكر كيتا، الذي تنازل عن الحكم تحت ضغط الشارع، شهر أكتوبر الماضي، بعد إعلانه الفوز بولاية رئاسية جديدة وصفتها المعارضة آنذاك بانهيار ما تبقى من كيان الدولة.
لكن دون شك يبدو أن المجتمع الدولي لم يفهم بعد المطالب الشعبية التي يرفعها الشعب المالي، الرافضة لسياسات الهيمنة الغربية، والتدخل في شؤون مالي الداخلية، هذه التدخلات زادت بشكل ملفت منذ تولي سلطة انتقالية الحكم لتسيير البلاد، خلال فترة انتقالية لمدة 18 شهرا، تم بموجبها احترام الدستور الحامي لكيان مالي، وفق ما تنصّ عليه مبادئ الاتحاد الإفريقي الذي كلّف مجموعة دول غرب إفريقيا «إيكواس» بتوّلي مراقبة الفترة الانتقالية.
إلا أن ثروات مالي الطبيعية باتت تُسيل لعاب القوى الغربية الدولية أكثر من أي وقت مضى، وهو ما جعل قوى دولية جديدة تبدي اهتماما متزايدا بهذا البلد الذي يصنف في خانة الدول الهشّة، غير أن تربعّه على احتياطات كبيرة من المعادن الثمينة على غرار اليورانيوم، جعله يتصدر الأطماع الدولية.
ولاشك في ذلك، ما دامت رغبة المستعمر السابق فرنسا جامحة للاستمرار في إبقاء قوّاتها العسكرية لبسط هيمنتها على أهم المناطق الزاخرة بالثروات، وهذا ما يعطي حجّة وذريعة كافية للإرهابيين هناك بادعائها مواجهة القوّات الأجنبية.
ومع التزام السلطات الانتقالية احترام الإرادة الشعبية وتفعيل العدالة ضد رموز الفساد السابق، يواصل المجتمع الدولي خذلان الشعب المالي بضخ المزيد من القوّات الأجنبية رغم فشل المقاربة العسكرية، وتبدو ملامح تعقيد الأزمة أكثر بعد إعلان الدانمارك، عن عزمها نشر مائة من قواتها الخاصة في مالي، مطلع العام المقبل لمؤازرة قوّة «تاكوبا» الأوروبية المكلفة بمكافحة الإرهاب في المنطقة، في خطوة تصبّ الزيت على النار وتفتح سيناريوهات أكثر خطورة، ستجرّ لا محالة دول جوار مالي لمستنقع الحرب بالوكالة.