جرائم الاستعمار لا تنقطع بمرور السنوات، يمضي الزمن وتبقى آثارها، تستمر قنابلها الغادرة في الانفجار بحصد أرواح وإعاقة أبرياء.
الألغام المضادة للأفراد، التي خلّفها الاحتلال الفرنسي جريمة عابرة للأجيال لا تقل خطرا عن الجرائم العابرة للحدود، تتقاطعان في نفس النتيجة المأساوية. اغتيال الإنسان بوحشية لا توصف، جعلت العالم المتحضر يدرج أجهزة الموت في خانة المحظور، لكن هيهات.
ألغام الحقبة الاستعمارية، تركة الموت، خلّفها من يصنّفون أنفسهم ضمن عالم «متحضر»، تتواصل جرائمهم مشكّلة كابوسا مرعبا، واجهته الجزائر، منذ أولى سنوات الاستقلال، ببذل جهود مضنية، تهون في سبيل حماية السكّان وتأمين الإقليم أمام حركة التنمية.
خطا «شال» و»موريس» الجهنّيميان، مثال لتلك البشاعة الاستدمارية، صورة لحرب أخرى انتصرت فيها الجزائر بإرادة أبنائها واحترافية جيشها، سليل جيش التحرير الوطني، مقدّما المثال الفريد في اجتثاث ألغام الموت من أعماق تُربة سُقيت بدماء الشهداء.
استمرار الجريمة معناه بالمنطق استمرار مسؤولية مرتكبيها، ما يعزّز مطلب الاعتذار، يجب أن تقدمه الدولة الفرنسية، تكفيرا عن جرائم أسلافها من جنرالات القتل والاغتيال محترفو زراعة الموت، بالجملة، غدرا، يدينهم التاريخ وترميهم الذاكرة الحية في مزبلته.
العالم كلّه يُعلن نبذ استعمال سلاح الألغام المضادة للأفراد (اتفاقية أوتاوا) والجزائر في ريادة الدول التي تلتزم بذلك، موقّعة في كل مرة قرار تدمير وإتلاف ما تستخرجه من مواقع، هي عنوان لمواجهة الموت بصدر عار خلال ثورة تحرير الأرض وأثناء تطهير أديمها، ليستعيد وظيفته في احتضان الإنسان وتجسيد أحلامه.
التجربة الجزائرية في نزع الألغام، من جميع الجوانب، مدرسة بأتمّ المعنى، تليق لأن تُدرّس للعالم، ليس فقط من جانب تقنيات اقتلاعها ولكن أيضا من جوانب عدة، أبرزها إنسانية.