قبل ما يقارب من العشرين سنة، نشر مستعرب اسمه «نوبواكي نوتوهارا» كتابا بعنوان: «العرب.. وجهة نظر يابانية» بعد تجربة أربعين سنة من العيش في بعض البلدان العربية، حيث تجاوزت معرفته لهذه المنطقة المسائل الأدبية والفكرية التي جاء من أجلها إلى الأمور الاجتماعية.
ويبدو أن السيد نوتوهارا اختلطت عليه الأمور ولم يعد يعرف إن كان العربي من أنصار النظافة كما يعتقد هو أم على العكس من ذلك مثلما تذهب إليه كثير من الأفكار العنصرية الكولونيالية المنشأ.
ولاحظ هذا القادم من الشرق الأقصى أن كثيرا من شوارع مدننا قذرة وتنتشر فيها القمامة في كل ناحية، لكن ما إن يدخل بيتا من بيوت مستضيفيه الكثيرين حتى يفاجأ بالجمال والنظافة في كل مكان.
إنه التناقض الذي يعيشه هذا الكائن، ويبدو أن أسبابه تتجاوز المشكلات المرتبطة بتسيير الأحياء إلى أخرى تغوص في التاريخ، حيث يعتقد الكثير أن نظافة المحيط أمر لا يعنيه بقدر ما يعني المؤسسات المكلفة بذلك، لأنها «خَالْصَة عْلِيها» مثلما يقول، لكن ما لا يراه البعض أن المشكلة بلغت حدا من التعقيد ومن الخطر جعلت معها صحّة الناس في خطر.
كثير من أعوان النظافة، وبغض النظر عن نقص إمكانيات عملهم، يتحمّلون ما لا طاقة لهم به، وهم تحت رحمة تقلّبات أمزجة الناس، حيث تتغيّر أمكنة حاويات القمامة في كل مرّة وتختفي في كثير من المرّات بسبب اختلاف بين سكان الحي والنتيجة هي انتشار أكياس «الزبالة» في كل مكان تقريبا، إلا في الأماكن المخصّصة لها.
ومع بلوغ المشكلة مداها، تبقى السلطات المحلية الغائب الأكبر، لأنه من مسؤولياتها حفظ الصّحة العمومية والسكينة العمومية وبشكل وقائي ضمن مهام «الضبط الإداري»، فمتى تتحرّك هذه السلطات؟ أم أن الأمر يحدث بعد فوات الأوان؟