ما يدور في رؤوس تصطف في طوابير شراء زيت المائدة، في وقت تجاوز الإنتاج الوطني لهذه المادة 300 بالمائة، والمخازن مملوءة عن آخرها، يثيرُ أكثر من تساؤل عن قابلية بعض الناس للسير وراء الإشاعة وتصديق «أزمات اجتماعية مفتعلة»... ويثير أيضا تساؤلات أخرى عن «الوعي الزائف» ويطرح حاجة إلى مواطنة تتجاوز إفتراضيات «فايسبوك» وصفحاته المثيرة «للدجل» الاجتماعي، وغوغائية «أنا وبعدي الطوفان»، التي جسّدها تجار جملة ومضاربون على شاكلة بائع مواد بناء في بلدية بومرداسية... الضجة التي أحدثتها مادة الزيت هذه الأيام ووجدت من يصُبّ زيت الإشاعة عليها بوسائط التواصل الاجتماعي، في غياب رد فعل واع في حينه، تؤكد في مكان ما أن جزائريين كثْرٌ لا يثقون في مدخلات ومخرجات السوق، وأنهم أقرب إلى عقلية الادخار والاكتناز التي بدأوها مع المال، ويُوسّعون دائرتها، عن وعي أو بدونه، إلى مسائل أخرى، لصيقة بيومياتهم، أو مدرة للربح السريع، بالنسبة لبعضهم، متى تحولت الندرة الى عامل سريع لإعمار الجيوب، بمناسبة أو بدونها، مثلما هو حاصل هذه الأيام، لدرجة أن بائع مواد بناء تجرأ واشترى كميات كبيرة من زيت المائدة وخزّنها في ورشة مواد بناء في الهواء الطلق، غير مبال بقواعد حفظ هذه المادة الحساسة لأشعة الشمس، وغير مبال بالصحة العمومية، المترتبة عن ذلك.
ما يحدث وقد تكرر كثيرا في أوقات سابقة، يشير إلى سلوك مدمر لبواكير وعي استهلاكي قيد التشكيل، هو سلوك إنبات «الندرة» في الرؤوس، وشحنها بالترويج لأزمات اجتماعية مفتعلة، تسير في اتجاه معاكس لكل محاولات التأسيس لوعي استهلاكي، ووعي عام بالمسائل المشتركة، في الواقع، لا ما ينقله هواة تبرير أي شيء في فضاء أزرق يشجع أخبار المضاربة، بطريقة فريدة من نوعها، ويفتح لها أبواب الانتشار كالنار في الهشيم، وفي الوقت نفسه يسُدُّ على المبادرات الخيّرة والتضامنية باب الوصول إلى أسماع 25 مليون جزائري يتنقلون يوميا بين صفحات افتراضية قليلها مفيد، وكثيرها يرددُ: «إنهم يقولون»...