عندما يخرج العالم من الجائحة في وقت مازال من المبكّر الحديث عن تاريخ تقريبي محدّد في ظل صعوبة التنبؤ بموعد دقيق لنهايتها، سيكون المنعرج شبيها بالخروج من الحرب المرهقة التي دمّرت الأنظمة الصحية والميزانيات المالية بدل البنى التحتية والقواعد العسكرية. الجميع ضاق ذرعا من إجراءات العزل واختفاء حركة الطيران لأنّ ما كان مؤقتا صار واقعا مرّا غيّر من واقع الحياة، وقضى على الوظائف وأوقف آلة الإنتاج، وعطّل بوصلة الحياة الطبيعية بشكل لم يكن معهودا من قبل.
المعاناة جاءت كبيرة والكلفة باهظة بالنسبة للقارة العجوز التي التصق بها الفيروس، وتصارع بين مد وجزر لهزيمته بإجراءات متنوّعة آخرها اللقاح الذي أشعل حربا صامتة بين دول منطقة الأورو وبريطانيا على وجه الخصوص، لكن مؤشّرات ظهرت مؤخّرا كشفت عن انفراج في أزمة توزيع اللّقاح، ولاح في الأفق اقتراب أوروبا من السيطرة على الإصابات الجديدة، ولم يكن التخوف أكبر من بروز الموجة الثالثة بسلالات متحوّرة أكبر ممّا روّج عن انتكاسة مني بها لقاح أسترازينيكا المضاد للفيروس في ظل إقدام بعض الدول على تعليقه بعد ورود شكوك تسبّبه في إحداث تجلّطات دموية.
كورونا خلّف الخوف والذعر والموت، وجعل أوروبا تنتفض في موجات احتجاج غاضبة، علما أنّ المتظاهرين رفعوا لافتات من مونتريال إلى بلغراد كتب على بعضها «أوقفوا رعب كورونا» و»كوفيد خدعة»، وكانت كل الحلول قصيرة وهشّة ماعدا اللقاح الذي ينظر إليه كحل سحري ينهي الوباء ومعه تتلاشى المعاناة، والوقت لم يعد في صالح الدول الأوروبية التي عوّلت على هذا اللقاح، في وقت كان يخطّط أن تكون هذه الصائفة نهاية محتومة للفيروس عبر تسريع وتيرة التطعيم، اختلطت الأوراق وفضلت العديد من الدول من بينها ألمانيا وإيطاليا تمديد قيود الغلق في وجه الموجة الثالثة الأكثر شراسة متجاهلة ضيق المواطن وتأثره اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا من العودة إلى الصفر، أي الوضع وإن لم يكن متطابقا مع شهر مارس الماضي لكنه يماثله من حيث ضراوة انتشار وبطش الفيروس، الذي دفع البعض إلى وصفه بـ «رعب الخدعة».