اختار الأمين العام للأمم المتحدة، الدبلوماسي الموريتاني القاسم وان، مبعوثا أمميا لدولة مالي، وتأتي الخطوة ضمن مساعي المجتمع الدولي لمرافقة مسار المصالحة ودعم جهود السلطة الانتقالية في هذا البلد الذي تنخره الجماعات الارهابية، ويواجه نظامه الاقتصادي هشاشة حادّة، لم يعد بالإمكان التحكم فيها مع استمرار تدهور الوضع الامني، الذي يعمق هو الآخر معاناة الشعب المالي بتراجع الوضع الإنساني، وتأثير ذلك على دول الجوار بشكل كبير.
اختيار الدبلوماسي الموريتاني صائب لعدة اعتبارات جيوسياسية، إذ يوحي أولا إلى فهم المنظمة الأممية رسائل رفعها مؤخرا الرأي العام المالي حول رفض التدخل الاجنبي بكل أشكاله بمبرّر انهاء الازمات القائمة، وثانيا، الى توجّه القوى الدولية الفاعلة لتغيير الوضع الراهن عقب فشل المقاربة العسكرية المتبعة، حيث فاقمت الظاهرة الارهابية وأثبتت فشلها ليس في مالي فقط ولكن في منطقة الساحل برمّتها.
أمام هذا السيناريو أدركت الأمم المتحدة أن ما تدعو إليه الجزائر ضمن مقاربتها الدائمة في تطبيق اتفاق السلم والمصالحة المالي، هو كون الحل بيد الماليين أنفسهم بعيدا عن التدخل الخارجي، والاكتفاء بالمرافقة وتقديم الدعم المادي، لكن فرنسا الراعية للتواجد الأجنبي ترفض هذا الطرح منذ سنوات، غير أنّها اصطدمت في النهاية بالحقيقة، تزامنا مع تغير النّظام في دولة مالي وتأكيد السلطة الانتقالية على ضرورة الدخول في حوار مع الجماعات الارهابية بدل استمرار سياسة المواجهة.
هذا ما يؤكّد أنّ الأمم المتحدة باتت تدرك فشل المقاربة الأمنية لحل الازمة، وهو الدافع لاختيار الموريتاني القاسم وان مبعوثا الى مالي، لأن الاخير ذو أصول ازوادية وهي القبيلة الاكثر انتشارا في شمال البلاد، وبالتالي هو أدرى بحيثيات وفصول الازمة من جذورها.
لكن اللافت كذلك في جوهر مهمة المبعوث الموريتاني ستكون مرافقة مسعى السلطات المالية الجديدة في تبني مقاربة الحوار مع الجماعات الإرهابية خلال المرحلة الانتقالية، المتواصلة في الطريق الصحيح مع السلطة التي اختارها الشعب منذ أكتوبر الماضي عقب استقالة الرئيس السابق ابوبكر ابراهيم كيتا، وسيكون دور الدبلوماسي ناجحا بالنظر الى نجاح تجارب سابقة بالاعتماد على مقاربة دول الجوار في حل الأزمات الأمنية والسياسية.